وقائع مواجهة أهالي أنقرة لمتمردي الجيش..الانقلاب مرّ من هنا

وقائع مواجهة أهالي أنقرة لمتمردي الجيش..الانقلاب مرّ من هنا

أنقرة

محمود العناني

avata
محمود العناني
20 يوليو 2016
+ الخط -

يشعر سائق التاكسي التركي جوشكان، بالحسرة كلما مر بسيارته أمام مبنى الإدارة العامة للأمن بأنقرة، إذ دمر القصف العنيف من جانب القوات الجوية الموالية للانقلابيين، جانباً كبيراً من المبنى.

ليلة الانقلاب لم يتمكن جوشكان وعائلته من النوم، لأول مرة منذ سنوات طويلة، بسبب أصوات قصف الطائرات الحربية لمواقع عديدة في المدينة من بينها القصر الجمهوري ومقر القوات الخاصة، حتى أن السماء تحولت في لحظات، إلى ساحة قتالية، دون أن يدرك أحد ماذا يحدث.

يتساءل جوشكان وهو يشعل سيجارته، كيف يجرؤون على فعل هذا؟ "لا بد من أن أطرافا دولية تدعمهم، بعد أن ساعدت حكومة العدالة والتنمية الشعب خلال فترة وجودها على رأس السلطة في البلاد، وأصبح الطعام والشراب وكل مناحي الحياة الأساسية متوفرة في كل مكان، حسبما يعتقد السائق التركي.


معركة أنقرة

مساء يوم الجمعة الماضية، عاشت العاصمة التركية أنقرة، والتي يعيش فيها ما يزيد عن 5 ملايين تركي، "ليلة دموية استمرت حتى فجر السبت الماضي"، كما يروي المهندس التركي الشاب اسماعيل، والذي كان برفقة أسرته في حديقة "جوكسو"، غربي العاصمة أنقرة، يصف إسماعيل ما جرى تلك الليلة، قائلا "سمعنا صوت العديد من المروحيات تحلق على مستوى منخفض، في مشهد غير معتاد، لأن المنطقة ليست قريبة من أية قواعد عسكرية، ما أثار الذعر بين الموجودين في الحديقة".

عقب تصفح الأخبار عن طريق هاتفه المحمول، تأكد إسماعيل من أن هناك انقلابًا عسكريًا يمضي قدمًا في البلاد، وأن مبنى البرلمان التركي تم قصفه وفقا لما قرأه في موقع إحدى الصحف التركية، وما هي إلا لحظات حتى هرع هو وعدد من جيرانه نحو الأسواق المحلية وماكينات الصرف إذ خشوا من فرض حظر تجوال، "لقد كان المشهد مروعًا"، يقول إسماعيل، ويستكمل، "كانت الضوضاء في كل مكان، أصوات الانفجارات لم تتوقف، بعض جنود الجيش أغلقوا الطرق الرئيسية. كنا نمشي آلاف الأشخاص، في الوقت نفسه كنا نسمع أصوات أعيرة نارية وصوت انفجار صادر عن طائرات حربية، مشينا حوالي 10 كيلومترات في هذه الليلة حتى تمكنا من الوصول إلى المنزل".

عقب ظهور الرئيس رجب طيب أردوغان على شاشة التلفاز وطلبه من المواطنين النزول إلى الميادين لحماية الديموقراطية ومقاومة الانقلاب، قرر الشاب التركي عمر أركان الذهاب إلى ميدان "كيزيلاي"، أشهر ميادين أنقرة، للمشاركة مع أصدقائه في التصدي لقوات المتمردين، كما يقول، مضيفا أن شوارع أنقرة بالقرب من مقر "الأمنيات" (الشرطة)، وقرب القصر الرئاسي، امتلأت بالمتظاهرين، الذين تعرضوا لإطلاق نار وقصف من الطائرات التركية، ما أسفر عن مقتل 42 شخصا، من المدنيين والشرطيين، كما أكد المدعي العام التركي، في تصريحات صحافية حول أعداد الضحايا في ليلة الانقلاب.

"الوضع الآن أفضل كثيرًا"، يقول عمر، متابعا "الحكومة كشفت من خانوا الشعب وقتلوه في الشوارع، والجماهير ما زالت يقظة ومنتبهين ضد وقوع أي أخطار، وفي كل يوم يزيد عدد المتظاهرين في كيزيلاي وغيرها من الميادين، الأمور فقط تحتاج إلى بعض الوقت لتعود كما كانت عليه".



خارطة الدمار

وفقا لما وثقه معد التحقيق عبر مشاهداته فإن مبنى البرلمان تم قصفه 7 مرات من قبل قوات الانقلابيين، كما يؤكد أهالي العاصمة، كما تم قصف القصر الجمهوري، ومبنى القوات الخاصة والإدارة العامة للأمن في أنقرة، بينما دارت اشتباكات عنيفة بين الانقلابيين وعناصر المخابرات التركية أمام مقر رئاسة الاستخبارات بالعاصمة أنقرة حتى ساعات فجر يوم السبت الماضي.

ووفقا لما رواه شهود العيان فإن المبنى تم قصفه بالدبابات والمروحيات القتالية إلا أن قوات الانقلابيين لم تتمكن من الدخول، بعد صمود عناصر المخابرات حتى وصلت الجماهير بعد دعوة أردوغان للمواطنين من أجل النزول إلى الشوارع، والتي مثّلت عاملا حاسما في خسارة الانقلابيين لمعركة أنقرة، وفقا لما يرويه الباحث الفلسطيني في السياسة والعلاقات الدولية، والمقيم في أنقرة، علي أبو رزق.

يقول أبو رزق "المنطقة التي أقطن بها في وسط المدينة، كانت خالية تمامًا من أي تحركات جماهيرية قبل دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشعب التركي للنزول، فوجئت بعدها، بتظاهرات حاشدة منددة بما وقع على الرغم من استمرار طائرات الانقلابيين في خرق حاجز الصوت لإثارة رعب المتظاهرين".

جانب آخر من المعركة تم بمشاركة رئيس بلدية العاصمة التركية أنقرة إبراهيم مليح كوكشيك والذي نشر تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" دعا فيها الشعب إلى التجمع في الميدان المركزي في أنقرة للتظاهر ضد التحركات الانقلابية في قاعدة آتي مسعود الجوية.

وعقب تجمع المواطنين الأتراك في ميدان كيزيلاي المركزي استجابة لنداء رئيس البلدية، توجه المواطنون وشاحنات من البلدية لإغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى القاعدة، وهو ما تكرر في قاعدة اكنچي العسكرية، (رابع أكبر قاعدة عسكرية في تركيا)، إذ منع المواطنون الطائرات التي كان الانقلابيون يحاولون استغلالها من الطيران، عن طريق توقيف سياراتهم على مدارج الطائرات ما عطّل كثيرًا من التحركات من هذه القاعدة، بحسب الصحافي ناصر حجاج، الذي يقيم في تركيا منذ أكثر من عشرين عامًا.

ويروي شاهد العيان حجاج، أن المواطنين الأتراك، ساهموا مع رجال الشرطة والقوات الخاصة في عملية اقتحام مقر قناة سي إن إن تورك، التي تبث من أنقرة، بعد أن استولى عليها الانقلابيون وقطعوا بثها، وتحفظوا على العاملين فيها، وهو ما تكرر أيضا في مقر الإذاعة الرسمية، والتي كان للمدنيين دور كبير في اعتقال المجموعة الانقلابية التي كانت تسيطر عليها.


انقلاب مختلف

يصف الصحافي التركي ومدير تحرير اللغات بوكالة الأناضول للأنباء محمد أوزتورك، ما جرى بأنه انقلاب مختلف وغير متوقع، بعد كل هذا التاريخ المرير الذي عاشته البلاد مع الانقلابات العسكرية منذ تأسيس الجمهورية التركية في عشرينيات القرن الماضي.


واسترجع أوزتورك في حديثه مع "العربي الجديد"، ذكرياته مع الانقلاب العسكري عام 1980، والذي قاده آنذاك الجنرال كنعان ايفرين، وكان أوزتورك وقتها طالبًا بجامعة أرزروم، وتم نفيه عشرة أعوام نتيجة نشاطاته الطلابية، قائلا "قاموا بنفس الأشياء تقريبًا، إذ سيطروا على الحكم، وأعلنوا الأمر من خلال التلفزيون الرسمي، الذي كان قناة واحدة فقط إبان ذاك، وفرضوا حالة الطوارئ، ثم بدأوا في تقسيم الوظائف فيما بينهم".

ويحكي مدير التحرير بالأناضول، عن ليلة الانقلاب الفاشل، قائلا "تحول الأمر ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز، إلى ساحة حرب، تابعت الأمر من نافذة مكتبي في أنقرة مع زملائي، الطيران اخترق جدار الصوت مرات عديدة، شاهدت المروحيات تقصف مبنى الأمن الرئيسي هنا في أنقرة، وهزت أصوات الانفجارات جميع المباني، الصدمة أصابت الجميع، الكل يتساءل ماذا يحدث؟ كيف لجيش أن يفعل بوطنه هكذا؟ وحدث ما لم يحدث في أي انقلابٍ عسكري سابق، حين قُصف مقر البرلمان التركي".

وتساءل أوزتورك ساخرًا، كيف لشخص أن ينفذ انقلابًا في القرن الواحد والعشرين بنفس طراز الانقلابات في القرن العشرين؟ مستشهدًا بالتحليل الذي نشرته وكالة رويترز للأنباء، صبيحة المحاولة، وحمل عنوان "محاولة الانقلاب التركي الفاشلة..انقلاب غريب بأسلوب القرن العشرين"، وأردف قائلًا، تركيا الآن تغيرت، وأصبح هناك وعي لخطورة مثل هذه التحركات كما أنه أضحى من السهل فضح مثل هذه الخطط في بداياتها، في ظل وقتٍ لا يمكن فيه إسكات وسائل الإعلام على اختلاف اختصاصاتها.

بالتأكيد، كانت هناك تخوفات كبيرة لدى المواطنين، من انهيار الاقتصاد أو الانفلات، وظهر ذلك في عيون الناس، ولكن أيضًا كان ذلك دافعًا لهم للنزول وحماية وطنهم وبلدهم، كما قال أوزتورك مضيفا، "إن الشعب التركي بكل طوائفه وقف ليحمي ويدافع عن ديمقراطيته، كما أن الجميع، حكومةً ومعارضة وإعلام وشرطة وأجهزة خدمات مدنية، جميعها تكاتفت لردع هذه المحاولة، التي ستحتاج بعض الوقت لاستئصالها من جذورها".