ورشة المنامة: الجانب الإيجابي

ورشة المنامة: الجانب الإيجابي

30 يونيو 2019
+ الخط -
انفضّ جمع ورشة المنامة عن لا شيء. لا بيان ختم الاجتماعات التي استمرت يومين، ولا معلومات حقيقية عن التقديمات المالية التي كان مفترضا أن يُعلن عنها في الورشة لإطلاق ما يسمّى "السلام الاقتصادي" الممهد لصفقة القرن لصاحبها جاريد كوشنر وحميّه دونالد ترامب، واللذيْن وضعا نصب أعينهما القضاء على القضية الفلسطينية، وتحضير الأرضية لدمج إسرائيل بشكل كامل في المنطقة، وضمن التحالفات الجديدة القائمة حالياً. ربما هذا هو الأمر الوحيد الذي نجح فيه كوشنر، إلى حد ما، بعدما فتحت مملكة البحرين أبوابها للمسؤولين والصحافيين الإسرائيليين الذين خصّهم وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، بتصريحات تتغنّى بحق إسرائيل في الوجود، وأحقيتها التاريخية بأرض فلسطين.
وعلى الرغم من كل السيناريوهات الكارثية للقضية الفلسطينية، والتي أريد لها أن تتبلور في ورشة المنامة، إلا أن هناك جانباً إيجابياً لا بد من النظر إليه في الورشة وما رافقها، والعمل لاحقاً على تطويره وبلورته أفعالاً، فإضافة إلى فشل الورشة في إطلاق ما عقدت من أجلها، يأتي الجانب الإيجابي الأول في الاصطفاف الفلسطيني الكامل خلف رفض الورشة وأهدافها، وهو أمرٌ لم يتحقق خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية إلا نادراً. هذه الوحدة في الموقف يجب أن تكون كفيلةً بتنبيه السلطة والفصائل كافة إلى أن ما تتعرّض له القضية الفلسطينية اليوم مسألة وجودية، لا مكان فيها لانقسامٍ خلف حساباتٍ فئوية أو خياراتٍ سياسية، وخصوصاً أن تجربة رفض ورشة المنامة، ومن ورائها صفقة القرن، وضعت الفلسطينيين جميعاً في خندق واحد مصطفّين خلف أهداف واحدة وواضحة. لا يمكن أن يكون هذا الاصطفاف وقتياً بعد اليوم، ومن الأفضل بلورته موقفاً فلسطينياً موحداً يعيد للقضية أولويتها، مستفيداً من العامل الإيجابي الثاني الذي أظهرته الورشة.
المواقف الدولية من ورشة المنامة، والتي شملت مقاطعة عدد من الدول أو تمثيل أخرى بشكل متدنٍ جداً، تعد عاملاً إيجابياً ثانياً تظهر بعد اجتماع البحرين، ويمكن أيضاً البناء عليه، فهذه المواقف أكدت أن ما يريد دونالد ترامب ترويجه في ما يخص تصفية القضية الفلسطينية ليس مقبولاً على المستوى الدولي، وفي المعسكرين الشرقي والغربي، على الرغم من أن كوشنر وترامب يعوّلان على مساعدة هذين المعسكرين في تمرير صفقة القرن الخاصة بهما، فعلى سبيل المثال، ما تسرّب من بنود في الصحافة الإسرائيلية عن الصفقة يشير بوضوح إلى تمويل أوروبي وصيني للجوانب الاقتصادية واللوجستية الخاصة بتكوين شكل "البلدية الفلسطينية" التي ستخرج من صفقة القرن، غير أن الصين قاطعت الورشة، والدول الأوروبية لم تكن متحمّسةً لها، ومشاركتها فيها جاءت من باب "رفع العتب" وعدم الدخول في معركة جديدة مع الإدارة الأميركية في ظل المعارك الكثيرة التي فتحها ترامب على حلفاء بلاده. هذا المعطى السياسي لا بد أن يُستغل فلسطينياً لإعادة شرح القضية وخيارات حلها في المحافل الدولية، وتشكيل حائط صد دولي لمنع دخول صفقة القرن حيز التنفيذ.
أما الإيجابية الثالثة في الورشة، فهي أنها جعلت اللعب التطبيعي على المكشوف، فلم تعد هناك حاجة للمناورة والمواربة، وما كان يجري خلف أبواب مغلقة من دول عربية أصبح يحصل أمام كاميرات التلفزيونات، وما كان يسرّب في محاضر سرية بات يخرج في تصريحات علنية، على غرار ما قاله وزير الخارجية البحريني. كانت الورشة كاشفةً للرأي العام العربي الذي لا يزال معنياً بالقضية الفلسطينية، ماهية الأنظمة التي تحكم بعض الدول العربية، وأي مستوى من التآمر على القضايا العربية وصلت إليه.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".