وخزات غير متوقعة

وخزات غير متوقعة

13 مارس 2016
سنتوقع منه أن يطمئننا (فرانس برس)
+ الخط -
فجأة، نكتشفُ أن العمر الذي ظنناه طويلاً يمرُّ بسرعة بين خطّين متلازمين من الأحلام والخيبات. خطّان علقنا بينهما وصرنا نميلُ مرةً لجهة هذا ومرةً لجهة ذاك.

وفجأة نكتشفُ أن هذا الجسم الذي نحمله في الدنيا، أو الذي يحملنا، بحاجةٍ إلى صيانة لا سبيل للهرب منها. صيانة لم تخطر مرةً في بال فترةٍ سابقة من فترات الحياة.

وقد ظننا في قرارة أنفسنا أننا لن نكبر، وأن هذا الجسد لن تصيبه الوخزات، شاراته المعتمدة للتحذير مما هو آت.

تشبه علاقتنا بأجسادنا العلاقة نفسها التي تربطنا بالسيارات، تلك الآلات التي تحملنا فوق عجلاتها من دون أن تعترض يوماً، حتى لو شاب هذا التشبيه بعض الغرابة. فنؤجل مثلاً زيارة الميكانيكي، طالما أن لا عطل حقيقياً في المحرّك. لم نتعوّد ثقافة الزيارة الدائمة للطبيب والفحوصات المستمرة. كما أن نسبة كبيرة من بيننا لا تتمتع بهذا "الترف"، فالتأمينات الطبية والثقافة الصحية في هذه البلاد مسألة فيها نظر.

ننتظر شارات الأعطال أو الأمراض لزيارة الطبيب. الرجل الذي اكتسب الحكمة من الكتب بعدما قضى الكثير من سنين حياته يدرس ويغوص ويبحث في عمق الأجساد واحتمالات عطبها، محاولاً أن يفهمها.

يتناول قلمه ليكتب لنا وصفةً بفحوصات متعددة. وصفة الفحوصات ورقة امتحان للجسد، شئنا هذا أم أبينا. هو واحد من امتحانات الحياة التي لا تنتهي. نخضع لها صاغرين ونأمل دوماً أن نعبرها بأقل الخسائر.

مختبرات الدم وغرف الأشعة قاعات الامتحان لهذا الجسد. وهناك، بينهما، لا تكف المسؤولة عن الابتسام. ربما ظنّت هذه السيدة أنّ ابتسامتها تخفّفُ من وخز إبرةٍ ستخترق الجلد وشعور الخوف. حسناً، لن تفعل هذه الابتسامة ما ظنّته صاحبتها سحراً في غير مكانه.

سنحمل مغلّف النتائج إلى الطبيب. سنتوقع منه أن يطمئننا على "الآلة" وصلاحيتها. سنسأله عن الحبوب والعقاقير والأغذية التي تعيدها إلى دورتها السابقة، وعن النصائح التي تحفظها لفترة أطول. وهذه نصائح نعلم جيداً أن بعضها قادرون عليه، وبعضها الآخر لن نملك الوقت له أبداً حتى لو أردنا ذلك. فما نقوم به عندما نفيق كل يوم يلهينا عن الاهتمام بأجسادنا وصحّتها. وسيفعل دوماً.

ومجدداً، سننسى أنفسنا ونكابر عليها إلى أن يحين موعد ألم حقيقي، أو إلى حين تسقط سنٌ من مكانها، أو حين ترفعَ شعرةٌ بيضاء راية مرحلةٍ جديدة من العمر.

وقد يقول قائلٌ إن كل الحيطة الممكنة من دون طائل. فنحن سائرون في طريق الموت بكل الأحوال. ولا بد لهذا الجسد أن يصل إلى الفناء، في لحظة مباغتة، سواء كان مفعماً بالصحة أو محملاً بأعتى الأمراض. وهذه مسألة أخرى تستحق التفكير.

اقرأ أيضاً: ورم يا حكيم!

المساهمون