وثيقة حماس بين الخوف والرجاء

وثيقة حماس بين الخوف والرجاء

04 مايو 2017
+ الخط -
شكلت وثيقة حماس الجديدة وما تحتويه من مبادئ ومواقف النسخة المعدلة لميثاق الحركة، إلا أنّ هذا الميثاق لم يبتعد كثيراً عن محاولات تطوير خطاب حركة حماس منذ أكثر من عقدين، لكنها استطاعت تحويل الطروحات التجديدية داخل حماس إلى موقف رسمي لها.
الأفكار التي كان أصحابها يخشون من مجرّد ذكرها أمام قواعد حماس الجماهيرية، بل كان يتم تداولها في الغرف الضيقة جداً خوفاً من تهم التخوين والعلمنة، وحتى التفسيق، أضحت مبادئ يتبناها ميثاق الحركة.
وهنا تأتي الوثيقة للتأكيد على أنّ حماس، أولاً وأخيراً، حركة تحرّر ومقاومة فلسطينية، ليس لها علاقة بجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تنظيما عابراً للحدود، بعكس ما كان من مسلّمات الماضي بالفعل والممارسة والتنظير داخل حماس. وهذه عودة محمودة باتجاه تركيز البعد الفلسطيني التحرّري.
وفي السياق نفسه، حماس اعتبرت بوثيقتها الجديدة أنّ الصراع مع الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي هو صراع شعبٍ يطالب بحقه بالحرية، وليس صراعاً عقائدياً ضد اليهود، بمعنى أنّ حماس عدلت عن خطاب الصراع الديني لصالح خطاب الصراع السياسي، ولكي ينجح هذا التحوّل الأيديولوجي والفقهي، فإنّ حماس مطالبة بإعادة صياغة برامجها الثقافية والتعبوية والتربوية، وحتى الفقهية لترسيخ هذا الطرح في وعي قواعدها التنظيمية والجماهيرية، ولكي لا تتناقض النظرية مع الممارسة.
الأمر الملاحظ بقوة في الوثيقة هو الصياغة ذات المصطلحات السياسية البراغماتية، التي تبتعد بها حماس عن الخطاب الديني التقليدي، وهذه خطوة نحو انفتاح حماس تجاه تجديد خطابها السياسي والفكري والفقهي كحركة سياسية ذات مرجعية دينية، قادرة على التعامل مع المستجدات والمتغيرات في الإقليم والعالم، بعيداً عن قوالب الحركة الإسلامية التقليدية.
هذا ما كان من الرجاء، أما المخاوف فعلى الرغم من أنّ كلمات أسطر الوثيقة لا تحمل ما يدعو للقلق، إلا أنّ قراءة ما وراء السطور وعلى ضوء التجارب التاريخية لفصائل منظمة التحرير، وخصوصا الذين حملوا راية النقاط العشر حلاً مرحليا وتدهور بهم الأمر إلى القبول بـ 22% من أرض فلسطين الانتدابية، وباعتراف كامل بدولة الاحتلال.. كلّ هذا وغيره، يجعل التساؤل المشوب بالريبة مشروعاً، فهل ستختلف تجربة حماس عن غيرها؟
على الرغم من كلّ تأكيدات الوثيقة على وحدة كامل التراب الفلسطيني، وأحقية الفلسطينين الكاملة به، تبقى الإجابة مفتوحة في ظلّ عدم تحديد أو توضيح كيفية قيام الدولة التي قد تقبل بها "حماس"، وخصوصا أنّ تجربة مشاركة الحركة في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 بعد أن كانت ترفض ذلك جملة وتفصيلاً عام 1996 حاضرة بقوة في الذاكرة الفلسطينية.
وإذا أخذنا توقيت الإعلان عن الوثيقة بالحسبان، نجد أنّ عوامل الخوف تزداد، ففي أجواء التجاذبات بين القوى العظمى لإعادة رسم الخريطة السياسية، وحتى الحدود الجغرافية للمنطقة، وفي ظلّ التحوّل الحاد في رؤية الولايات المتحدة بقيادة ترامب اتجاه حركة الاخوان المسلمين عاملا يخدم استقرار المنطقة، ويحافظ على المصالح الأميركية فيها، إلى عامل يضر بالعلاقة المصرية الأميركية، على ضوء التقارب الواضح بين الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب، والدور المرسوم لمصر في المرحلة الجديدة، والتي عنوانها العرب واسرائيل يد واحدة ضد المشروع الإيراني، فهل حماس تقدّم هنا أوراق اعتماد جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة، لكي تبقى حاضرة في الخارطة السياسية المقبلة؟ خاصة، وأنّ ترامب يسعى لإتمام صفقة التاريخ التي تنهي الصراع العربي الإسرائيلي بأي شكلٍ يتم التوافق عليه من الأطراف المعنية.
هل يمكن على ضوء ذلك تفسير تخلّي حماس عن الحاضنة الإخوانية التاريخية، لكي تحافظ على وجودها السياسي من مخاطر الإقصاء، وفي السياق نفسه، تبنّيها الصراع السياسي لتتمايز عن الخطاب الداعشي، وتبتعد عن تهمة الإرهاب، وبذلك لا تحمل الوثيقة بطياتها رجاء التجديد، بل مخاوف التسويق.
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
A2D46FB4-C7A1-4D15-BE21-E09B25E4B84D
حسن لافي (فلسطين)
حسن لافي (فلسطين)