هيلما غرانكفست.. سيرة للعرس الفلسطيني

هيلما غرانكفست.. سيرة للعرس الفلسطيني

23 نوفمبر 2015
(نساء ذاهبات إلى بيت العروس، تصوير: هيلما غرانكفست)
+ الخط -

في العشرينيات من القرن الماضي، وصلت باحثة فنلندية تُدعى هيلما غرانكفست إلى فلسطين، إبّان فترة الانتداب البريطاني، بهدف استكمال بحوث كانت تُجريها حول المرأة في العهد القديم. لم تكن تُدرك، قبيل تعرّفها إلى فلسطين عموماً، وقرية أرطاس جنوب مدينة بيت لحم خصوصاً، أنّ شعباً ذا ثقافة خاصّة يعيش هناك.

هكذا، تغيّر موضوع البحث كلياً، ليصبح عملاً بعنوان "أحوال الزواج في قرية فلسطينية" (Marriage Conditions in a Palestinian Villag)، صدرت ترجمته أخيراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، ضمن "سلسلة ترجمان"، وأنجزها كل من خديجة قاسم وإخلاص خالد القنانوة.

بهذا العمل (صدرت للمرة الأولى عام 1931)، شهدت مسيرة غرانكفست (1890-1972) منعطفاً؛ حيث تحوّلت إلى دراسة حياة المرأة الفلسطينية، فوضعت خمس دراسات مونوغرافية حول "الحوادث الثلاثة الأهم في حياة البشر"؛ الولادة والزواج والموت في قرية أرطاس.

نُشرت دراساتها باللغة الإنجليزية، ولم تترجم قط إلى العربية أو أية لغة أخرى. وتعدّ هذه الترجمة لدراستيها الأولى والثانية حول الزواج مصدراً مهمّاً من مصادر توثيق حياة القرية الفلسطينية المتاحة للقارئ العربي.

يتكوّن الكتاب من قسمين رئيسين؛ يضمّ الأول أربعة فصول. في الفصل الأول، تشرح المؤلّفة منهجية البحث والوسائل التي اعتمدتها في إنجاز دراستها، فيما يتحدّث الثاني عن سن الزواج، وتذكر فيه أنواع الخطوبة، مخصصة جزءاً للحديث عن خطوبة الأطفال وأسباب الزواج المبكّر في القرية.

في الفصل الثالث، تناولت غرانكفست آلية اختيار العروس، والأسس التي تقوم عليها هذه العملية المعقدة. وهكذا حتى بلوغ الفصل الرابع، الذي قدّمت فيه الباحثة شجرة أنساب القرية وقوائم الزواج وجداوله؛ إذ تمكنت من تتبُّع أنساب جميع السكان في أرطاس، منذ بداية آخر فترة استقرار للسكن فيها، وحتى عام 1927.

 أما القسم الثاني من الكتاب، فقد خُصّص للحديث عن مراسم الزواج والحياة الزوجية وما بعدها، ويقع في أحد عشر فصلاً؛ عرضت فيها مراسم الخطبة وعاداتها وشروطها بالتفصيل، إلى جانب أوقات السنة التي يتمّ فيها الزواج، وكذلك الطقوس والاحتفالات التي تسبق العرس، مسلّطة الضوء على رقص الرجال ورقص النساء والولائم.

كما تتطرّق الكاتبة إلى تفاصيل إحضار العروس إلى بيت الزوجية، وما يلي ذلك من عادات يتّخذها العرسان خلال الأسبوع الذي سبقه حفل زفافهما. ثم تذهب غرانكفست إلى تناوُل حياة الزوجة في بيت زوجها، وعن طريقة معاملته لها، وعن علاقتها بالأقارب.

نقرأ أيضاً ما أوردته المؤلّفة حول قضية تعدّد الزوجات عبر ذكر أمثلة عليه، والأسباب التي تدفع نحوه، والعلاقة بين الضرائر، ثمّ نتعرّف إلى علاقة المرأة المتزوجة ببيت أبيها، ووضع المرأة "الحردانة" (التي هجرت زوجها لخصام)، مع ضرب أمثلة على وقوع هذا الأمر، والصعوبات التي تلقاها. وأفردت غرانكفست الفصلين الأخيرين لموضوعين؛ الطلاق، ووفاة أحد الزوجين، مسلّطة الضوء على حياة الأرمل أو الأرملة.

يأتي هذا الكتاب في "سلسلة ترجمان" ضمن مشروع متكامل لترجمة الدراسات المتعلقة بالتراث الشعبي الفلسطيني ونشرها. وتتجاوز أهمية هذا المشروع البعدين الأكاديمي والدراسي؛ لأنّ هذه الدراسات تقدّم شواهد على وجود نشاط إنساني في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين، ناشئ عن مؤسسات وممارسات اجتماعية واقتصادية ودينية وفولكلورية حيّة معقّدة التركيب ومغرقة في القدم.

وتكمن أهمية هذه الدراسات التي وضعها مؤلفون أجانب متخصّصون عاشوا في فلسطين في تلك الفترة، في أنّها تدحض المقولات الصهيونية القديمة والراهنة التي ترمي إلى محو الهوية الفلسطينية أو تشويهها أو انتحالها أو استلابها.


اقرأ أيضاً: حنا بطاطو: كل شيء عن سورية

دلالات

المساهمون