هل يمكن إلغاء اتفاق أوسلو؟

هل يمكن إلغاء اتفاق أوسلو؟

30 سبتمبر 2018
جنت إسرائيل ثمار أوسلو بلا سلام أو دولة فلسطينية
+ الخط -
أعلن المجلس الوطني الفلسطيني، مطلع مايو/أيار الماضي وفي ختام دورته الحالية، أن المرحلة الانتقالية التي نص عليها اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل انتهت، ودعا كذلك إلى وقف التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. وأكد المجلس في بيان صدر عقب اختتام دورة أعماله، أن "علاقة شعبنا ودولته مع إسرائيل، هي علاقة تقوم على الصراع بين شعبنا ودولته الواقعة تحت الاحتلال، وبين قوة الاحتلال، ويدعو إلى إعادة النظر في كافة الالتزامات المتعارضة مع ذلك".
لم تتوقف قرارات المجلس الوطني عند هذا الحد، لكنه رفض الحلول المرحلية والدولة ذات الحدود المؤقتة، ودولة غزة ورفض إسقاط ملف القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود وغيرها، تحت أي مسمى بما في ذلك ما يروج له كصفقة القرن وغيرها من الطروحات الهادفة لتغيير مرجعيات عملية السلام والالتفاف على القانون الدولي والشرعية الدولية. مستنداً في ذلك إلى أن الفترة الانتقالية التي نصت عليها الاتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن، بما انطوت عليه من التزامات، لم تعد قائمة. وكلف المجلس اللجنة التنفيذية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
قد يبدو للوهلة الأولى أنه لم يعد ممكناً تنفيذ اشتراط المجلس الوطني القائل إلى حين اعتراف إسرائيل بدولة فلسطين على حدود عام 67 لاعتبارات عدة أهمها الممارسات الإسرائيلية على الأرض وأهمها الاستيطان، لكن ماذا لو كان السؤال هل يستطيع المجلس بالفعل تنفيذ قراراته الواردة في البيان أعلاه؟ وماذا لو نفذها لندخل عمليا في سيناريو إلغاء اتفاق أوسلو وكل ما ترتب عليه! هل كان المجلس الوطني جاداً في ما ذهب إليه ولماذا لم ينفذ شيئاً مما قاله، أم أن الأمر لا يعدو كونه بالون اختبار أو رقصة مذبوح تلوح بها السلطة الفلسطينية بعدما تلاشت أو كادت أن تتلاشى منظمة التحرير الفلسطينية الطرف الأصيل في التوقيع على الاتفاق، ومن زاوية أخرى تساؤل عما أنتجه اتفاق أوسلو وقدمه كي نخشى التضحية به، قطعا لم يقدم شيئاً هناك اتفاق فلسطيني، بل وإجماع على ذلك، لكننا لا نمتلك إرادة سياسية للخروج منه أولا، ولأننا نخشى تبعات الخروج من تلك التبعات التي ربما تتجاوز عواقب البقاء في الحالة الحالية الحاصلة.
لم يكن اتفاق أوسلو مجرد اتفاق دولي عادي بين طرفين يمكن لأحدهما الخروج منه أو إلغاؤه بمجرد بيان صادر عن أحد هياكل أو مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، سواء كان المجلس الوطني أو المجلس المركزي من قبل، ولا سيما أن الطرف الأضعف هو منظمة التحرير الفلسطينية. إسرائيل ألغت الاتفاق عمليا وتجاوزته وأرئيل شارون داسه بدباباته منذ عقد ونصف العقد تقريبا، واحدة من تبعات اتفاق أوسلو وما تلاه من اتفاقات فرعية نصت على التنسيق الأمني بما له وعليه، وإلغاء أوسلو يعني انتهاء التنسيق الأمني وهو بالمناسبة أحد أعمدة الاتفاق القائمة والمستمرة.
إن قراءة قرارات المجلس المركزي والوطني كذلك لم تكن نتيجة امتلاك القوة الكافية أو الإرادة السياسية القادرة على تحمل التبعات، الأمر تم التلويح به تحت ضغط شعبي وضغط سياسي لوحت به الفصائل الرافضة للاتفاق والتي اتخذت من جموده ذريعة لمناكفة السلطة ولتخطئتها وتخطئة خيار السلام، أمام ذلك لجأت منظمة التحرير بمجلسيها لتكتيك التلويح بإلغاء الاتفاق سعيا منها لإيصال رسالة لإسرائيل بضرورة إحياء عملية السلام التي دخلت ما يشبه الموت السريري، الأمر ببساطة هل تتحمل المنظمة تبعات قرارات المجلسين المركزي والوطني؟
لا نقصد بالسؤال هنا الإبقاء على أوسلو أو الإيعاز بأن المنظمة لا تستطيع، لكن ماذا عن ردة فعل إسرائيل لو ألغت المنظمة اتفاق أوسلو بما في ذلك التنسيق الأمني، وهل يمكن تجاوز ما أنتجته أوسلو من وقائع على الأرض، وهل تمتلك المنظمة خيارات بديلة جاهزة لإلغاء أوسلو؟
ربما تلاشت المنظمة أو كادت أو ربما نشهد استحداث هياكل بديلة عنها مستقبلاً، ولكن ألم تقم السلطة الفلسطينية بمقتضى ووفق ما نص عليه اتفاق أوسلو، وأنتجت واقعاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وفق هذا المقتضى، وعليه فإن أي إجراء فلسطيني أحادي الجانب بوقف أو تعليق أو تجميد أوسلو وما ترتب عليه بالنسبة لإسرائيل أمنيا سيفضي إلى عواقب قد تتجاوز فعل إلغاء أوسلو تماما ليس من بين العواقب إعادة احتلال الضفة الغربية مثلا أو قطاع غزة، ولكن يكفي وقف تحويل تحصيل الضرائب مثلا أو إغلاق الضفة وخنق غزة بالحصار.
بعض نقاط الضعف إذا أحسن توظيفها واستخدامها قد تتحول لنقاط قوة، ولكن ذلك بحاجة لصانع قرار مدرك ما يفعله وما سلف ممكن أن تقدم عليه إسرائيل لكن إذا توافرت إرادة فلسطينية واعية وموحدة فإن قلب المعادلة ممكن.
إن إلغاء أوسلو ممكن ومتاح ولكن بشروط ووفق رؤية وطنية فلسطينية واحدة ووفق استراتيجية قادرة على تحمل التبعات ورفع التكلفة لدى إسرائيل ولدى المجتمع الدولي، ليس بالضرورة أن يعني إلغاء أوسلو الانتقال للحرب وتفعيل حالة الاشتباك العسكري مع إسرائيل، ولكن لو تم تفعيل الانتفاضة الشعبية السلمية مثلا في الضفة الغربية كإحدى الأدوات أو لتكن أحد الخيارات كرد شعبي على جمود وإخفاق اتفاق أوسلو في إحقاق الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها القوانين والقرارات الدولية، ولو تم استدعاء شرعية وإلزامية هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن قبل إعلان قيام إسرائيل وقبل أوسلو بل ووفقها وبناء عليها ذهبنا إلى عملية السلام.
إن إلغاء أوسلو يجب ألا يكون تكتيكاً يلوح به طرف ما من أجل تحسين ظروف الحياة تحت الاحتلال ولكن كاستراتيجية هادفة وفاعلة وقادرة على استعادة الحقوق الفلسطينية وأولها الدولة الفلسطينية على حدود عام 67 وقد أصبحت كل من فتح وحماس متفقتين أو تلتقيان على هذا الأمر، وهما قطبا الحركة الوطنية الفلسطينية.
إلغاء اتفاق أوسلو ممكن إذا انتقلنا فلسطينياً إلى إنهاء نتائجه على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية باجتراح وحدة وطنية فلسطينية حقيقية وهذا أمر بالمناسبة نظرياً موجود وقائم من خلال تنفيذ لقاءات واتفاقات إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بنائها واستحضارها، وهو ما التقت واتفقت وطالبت به وعليه كل الفصائل وقدمت رؤيتها.
لا يمكن إلغاء أوسلو والانقسام مستمر، ولا يمكن إلغاء أوسلو والمنظمة على حالها هذه، وما المانع من استحضار سيناريو أو إحداثيات ما قبل أوسلو وتحديداً استدعاء انتفاضة عام 87 التي انتهت أو استثمرت باتفاق أوسلو كخيار أو كقرار فاعليته وجدواه حتما أوفر حظاً من التلويح ببيان مشروط يتيم يقول إن المجلس الوطني قرر إلغاء أوسلو ثم اختفى.
من يراهن على أنه يمكن التلويح بإعادة تفعيل أو إحياء عملية السلام فإن ما يتوافر من معطيات وخطابات وتصريحات أميركية وإسرائيلية يقدمها ويقودها كل من ترامب ونتنياهو يدفع بفرضية أن العودة لعملية السلام الآن غير ممكنة، وبالتالي الرهان على إطلاق عملية سلام الآن سيناريو يجب استبعاده والتلويح بخطوات أو قرارات من أجل إطلاقها ولن يعود بفائدة بل إن حدثت عودة ما ستكون المنظمة في وضع لا تحسد عليه، وهو ما يتطلب منها تحسين الظروف الموضوعية وتحسينها يكون ببناء جبهة وطنية فلسطينية داعمة ومساندة وموحدة ومتفقة على ما تفعل.
إن إدارة ترامب وقد تلاقت مع أهداف الليكود بقيادة نتنياهو وقررت ما قررته وفعلت ما فعلته من خطوات وقرارات لن تتحرك ولن تحرك عملية السلام إطلاقا في ظل الظروف والبيئة العربية والفلسطينية الحاصلة، وعليه إن لم يكن بالمقدور تحسين ظروف البيئة العربية فلتكن تهيئة وتقوية البيئة الفلسطينية الداخلية هدفا رئيسيا وأساسيا قبل التفكير في العودة لأية عملية سلام.
إن خشية إسرائيل وواشنطن من انهيار السلطة أو حلها أو انهيار الوضع أو دحرجة المشهد صوب انتفاضة شعبية كاملة في غزة والضفة، هي خشية أكبر مما لدى السلطة وقيادتها وهو سيناريو أو خيار يمكن التلويح به والبناء عليه، لأن الخشية الإسرائيلية منه أكثر فاعلية من تكتيك التلويح بقرارات المجلسين الوطني والمركزي بإلغاء أوسلو، لأن إلغاء أوسلو، ببساطة شديدة، بحاجة لخطوات عملية لا بيانات وقرارات.
إن لم يكن بالمقدور إلغاء أوسلو فلنعمل لإلغاء تبعاته وما ترتب عليه فلسطينياً على الأقل بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، هذا الفعل إن حدث سيكون كافياً لتحسين موقع المفاوض الفلسطيني إن كان يلوح أو يريد تحريك المياه الراكدة في عملية السلام.