هل تنفع المسكّنات المعيشية في احتواء الحراك الجزائري؟

هل تنفع المسكّنات المعيشية في احتواء الحراك الجزائري؟

03 ابريل 2019
الشباب الجزائري يواجه البطالة والفساد (Getty)
+ الخط -
استسلم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، بعد شهرين تقريبا من الاحتجاجات الجماهيرية. قد لا يكون هذا الإعلان كافيًا لإخماد الاضطرابات التي تتم مراقبتها عن كثب في أوروبا وأماكن أخرى وتستدعي مقارنات مع الربيع العربي لعام 2011. 

والجزائر ليست فقط واحدة من أكبر منتجي الطاقة في أفريقيا، بل تحوي الكثير من المشكلات المستمدة من ترابط السلطة بالمال... فهل تنفع المسكنات المعيشية في تهدئة الشارع خلال الفترة المقبلة؟ 

لم تدعُ التحركات، وفق تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية اليوم، إلى رحيل الرئيس فقط بل أيضًا إلأى رحيل خلفائه المحتملين الذين ساعدوا في دعم حكمه الذي دام 20 عامًا.

تغييرات لاحتواء الشارع

استقال رئيس الوزراء أحمد أويحيى في 12 مارس/ آذار، لكن تم استبداله بعضو آخر من الحرس القديم، هو وزير الداخلية نور الدين بدوي (الذي يقود حكومة انتقالية).



ثم تم استبدال وزراء النفط والمالية في تعديل وزاري أبقى رئيس أركان الجيش القوي، أحمد قايد صالح، نائباً لوزير الدفاع. ويقول ريكاردو فاباني، المحلل في شركة الاستشارات البحثية إنيرجي آسبكتس المحدودة لـ "بلومبيرغ": "النظام يحاول تهدئة المحتجين". وأضاف "سوف يحتاجون إلى رؤية إصلاحات ملموسة".

ويعتبر بوتفليقة الحاكم الوحيد الذي يعرفه جزء كبير من الشباب في البلاد. لكن بالنسبة للعديد من الجزائريين، فإن الرئيس البالغ من العمر 82 عامًا، الذي عانى من سكتة دماغية في عام 2013 ونادراً ما يشاهد على الملأ، هو واجهة للتحالف الغامض لقادة الجيش والاستخبارات وقادة الأعمال الذين يديرون البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962.

ما الذي دفع إلى الاحتجاجات؟

اندلعت التحركات في العاصمة الجزائر بعدما أعلن بوتفليقة أنه سيرشح نفسه لفترة ولاية خامسة. يقول المتظاهرون إنهم سئموا الفساد والبطالة المرتفعة. ونمت الاحتجاجات لتشمل إضرابات العمال والمدرسين والطلاب، وكذلك إغلاق بعض المتاجر وتعليق خدمات القطارات. 

في عام 2014، استخدم بوتفليقة مزيجًا من خراطيم المياه، والإعانات الغذائية وزيادة الأجور لاحتواء احتجاجات أصغر ضد إعادة انتخابه.

أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 16 في المائة، وهو ما يمثل تحديًا يمكن التحكم فيه عندما تم تداول النفط بأكثر من 100 دولار للبرميل... إلا أن الأسعار انهارت بعد هذا العام.

هل تستطيع الحكومة القيام بذلك مرة أخرى؟

ستكون المعونات أكثر صعوبة هذه المرة، وفق "بلومبيرغ"، لأن الاقتصاد الجزائري ما زال يكافح للتغلب على أسعار النفط الخام بعد أربع سنوات.

التضخم في ارتفاع، ومن المتوقع أن تنخفض الاحتياطيات الأجنبية للبلاد إلى 67 مليار دولار هذا العام من 177 مليار دولار في عام 2014، وفقا لصندوق النقد الدولي.

وبلغ العجز في ميزانية الجزائر ذروته عند 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 لكنه ضاق منذ ذلك الحين.

ماذا تعني الاضطرابات بالنسبة للنفط والغاز؟


باستثناء بعض الاحتجاجات في مرافق الطاقة، تم تنظيم المظاهرات بعيدًا عن منشآت النفط والغاز، والتي تقع في المناطق النائية. وقالت شركة النفط المملوكة للدولة سوناطراك إن الإنتاج لم يتأثر.

لا يزال المستثمرون قلقين من أن الإضرابات قد تمتد إلى صناعة الطاقة الجزائرية. هناك أيضًا خطر أن تؤثر التغييرات في مسؤولي النفط والغاز على الصفقات مع الشركات الدولية.

وتواجه سوناطراك تحقيقات متعددة للفساد ولديها ستة رؤساء تنفيذيين منذ عام 2010. وقد عينت الجزائر للتو وزير الطاقة السادس لها خلال نفس الفترة، واستبدلت مصطفى قيطوني مع محمد أركاب، الرئيس التنفيذي السابق لمؤسسة الطاقة والغاز الحكومية سونيلغاز.

ما أهمية الجزائر في إمدادات الطاقة العالمية؟

الجزائر عضو في أوبك لكنها واحدة من منتجيها الصغار، حيث تضخ حوالي مليون برميل من النفط الخام يوميًا. ومع ذلك، فهي توفر أكثر من 10 في المائة من الغاز الطبيعي في أوروبا (مما يجعلها ثالث أكبر مورد بعد روسيا والنرويج)، وتصدره عن طريق السفن وخطوط الأنابيب تحت البحر الأبيض المتوسط ​​إلى إيطاليا وإسبانيا.

ولدى البلاد، وفق تقرير "بلومبيرغ" خطط طموحة لتطوير حقول الغاز البرية والبحرية، وبدء عمل تجاري، وتجديد وبناء المصافي وزيادة إنتاج البتروكيماويات. يتوقف التوسع على قيادة سياسية مستقرة وقوانين جديدة تجذب المستثمرين الأجانب.

ما هي آخر أرقام الفساد في البلاد؟

ولم يكتف المتظاهرون بالتنديد بظاهرة الفساد التي نخرت البلاد واقتصادها منذ وصول الرئيس بوتفليقة للحكم سنة 1999، بل شملت مطالبات بتقليص الفوارق الاجتماعية وبتوزيع عادل للثروة وحل الأزمات المعيشية. 

وتتقدم الجزائر التصنيفات العالمية في مجال انتشار الفساد. وحسب الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، فإن حجم الفساد فاق عتبة 60 مليار دولار منذ سنة 2000.

وخلال الفترة الممتدة بين 2016 و2018 عالج القضاء الجزائري أكثر من 2725 قضية متعلقة بالفساد الذي وصفه بـ"الخطير"، منها قضايا تتعلق بجرائم الرشوة والاختلاس ومنح امتيازات غير مبررة في الصفقات العمومية.

مؤشرات الأزمة الاقتصادية في الجزائر حتى تاريخ 18 مارس 2019 

وشابت الفترة الأخيرة من الولايات الأربع لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العديد من قضايا الفساد التي طغت على الحياة العامة في البلاد، وزادت من انتشارها زيادة إيرادات النفط ومعها فاتورة الواردات. 

وهذه القضايا جعلت الجزائر تحتل المراتب الأولى في تصنيف الدول الأكثر فسادا، حسب منظمة الشفافية الدولية، إذ جاءت في المركز 112 في التقرير الصادر عن المنظمة لسنة 2017 من أصل 180 دولة، ويعتمد التقرير ترتيبا عكسيا تتصدره الدول الأقل فسادا.

ما هي أبرز المشكلات الاقتصادية للجزائريين؟


على الرغم من الاستثمارات الحكومية الضخمة في الإسكان العام، فقد أدت الهجرة الكثيفة في المناطق الحضرية إلى نقص المساكن، وفق تقرير "فوراين بوليسي" أمس الثلاثاء.

وأكد تقرير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أكثر من 670 ألف عائلة تحتاج للسكن في الجزائر. وأكثر من 15 مليونا من الجزائريين يعيشون تحت خط الفقر. في حين أن 80 في المائة من الثروة في يد 10 في المائة من الجزائريين فقط.

ويعاني قطاعا الصحة والتعليم من نقص شديد في الموارد - وينعكس ذلك في حضور الأطباء والطلاب المحتجين في الشوارع. 

وأدى تدهور الظروف المعيشية إلى تدفق متزايد للهجرة من البلاد، وخاصة بين الشباب، في حين تعاني البلاد أيضًا مع عدد متزايد من طالبي اللجوء من البلدان المجاورة. 

ما هو مؤشر الأجور وحجم البطالة؟

وأغلب الجزائريين يتقاضون رواتب أقل من 35 ألف دينار (290 دولاراً تقريباً)، في وقت تقر كل الدراسات التي أعدتها المعاهد الإحصائية باستحالة صمود هذه الرواتب أمام غلاء المعيشة".

وتؤكد الحكومة أن نسبة البطالة لم تتعد 11.6% نهاية العام الماضي 2018، مشيرة إلى أن عدد العاطلين بلغ نحو 1.456 مليون شخص، بينما يشكك الكثير من المحللين الاقتصاديين في هذه الأرقام، مشيرين إلى أن الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الدولة في السنوات الخمس الماضية بفعل التراجع الحاد في إيرادات النفط تسببت في تباطؤ الكثير من المشروعات وتراجع معدلات التشغيل.

وفي فبراير/ شباط 2018، سجلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن البطالة في ارتفاع بين الشباب، ولفتت إلى أن 3109 جزائريين حاولوا ركوب قوارب الموت سنة 2018. 

وبلغ معدل البطالة في الجزائر 11.7 في المائة في سبتمبر/ أيلول 2018 مقابل 11.1 في المائة في إبريل/ نيسان الماضي، وفق الديوان الوطني للإحصائيات.

ماذا عن معدل الفقر والقدرة الشرائية؟

يشير آخر تقرير تم إعداده من قبل الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في أواخر يناير/ كانون الثاني إلى أن عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر قفز إلى 15 مليونا أي حوالي 38 في المائة من الجزائريين.

في حين قال البنك الدولي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي إن 10 في المائة من الجزائريين تحت عتبة الفقر.

وفي مذكرة أخرى للرابطة في فبراير/ شباط 2018، تبين أن القدرة الشرائية نزلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة أكثر من 37 في المائة.

وكان محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لوكال، قد أعلن في يناير/ كانون الثاني الماضي أن الدينار فقد 34% من قيمته خلال العام الماضي 2018، فيما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.

وأظهرت بيانات رسمية أن التضخم السنوي في الجزائر سجل 4.2 في المائة خلال يناير الماضي، وسط ارتفاع أسعار الموادّ الغذائية الطازجة واللحوم والسمك.

المساهمون