هل تنبأت رواية الجحيم بفيروس كورونا؟

هل تنبأت رواية الجحيم بفيروس كورونا؟

24 اغسطس 2020
+ الخط -

اشتهرت عالمياً روايات لاقت أصداءً واسعة جداً؛ بسبب تحدّثها عن أمرٍ جلل أو مناقشة فكرة بتعمق ووضوح أو حدث مستقبلي لم يتحقق من قبل، مثل توقع ظهور أوبئة جديدة بأسماء لا تخطر على البال؛ حيث اهتم الروائيون ببناء تصورات عن فيروسات وأمراض غير مكتشفة، ثم وضعوا توقعات لكيفية انتشارها، وطرق علاجها؛ لتتحوّل أغلب هذه الإنتاجات الأدبية إلى أعمال إبداعية، قد تصبح في المستقبل حقيقة، ويُكتشف وباءٌ عالميٌ كان في الماضي مجرد رواية مكتوبة أو قصة شعبية متداولة.

يُعَدّ الكاتب الأميركي دان براون من أشهر الروائيين المعاصرين، فتميّز بكتاباته المليئة بالخيال، والغموض، والإثارة، والتشويق، وعلم الرموز، والجرائم، كذلك صُنِّف ضمن الكُتّاب المشهورين بعد صدور روايته الجدلية "شيفرة دافنشي" التي أثارت لغطاً شديداً، لتناول نصها محظورات دينية وفكرية، أدّت إلى أن يواجه براون انتقادات وصلت إلى حدِّ تعرض حياته للخطر، ورغماً عن الذي واجهه نتيجة هذه الرواية؛ إلا أنه استمر في كتابة وإنتاج روايات تدور في فلك القضايا الشائكة، لتصبح كل رواية تصدر له مثيرة للجدل، بالتزامن مع انقسام آراء النقاد حولها.

هل تنبأت رواية الجحيم بفيروس كورونا؟ تحديدًا مع كثرة الاستنتاجات والآراء التي يجمع أصحابها بين أعمال أدبية أو مصوّرة تكلّمت كل منها عن كارثة ما، كوقوع زلزال مدمر، أو تفجير إرهابي، أو آفة فيروسية

أصدر دان براون في عام 2013 رواية بعنوان "الجحيم"، وذاع صيتها بين القراء، وشكّلت بصمةً لا يمكن نكرانها في المكتبة العالمية، كعمل أدبي مبدع، وحصدت انتشاراً بين النّاس ساهم في زيادةِ عدد طبعاتها، وتُرجمت إلى كثيرٍ من اللغات، لما حملته من حبكة مكتوبة باحترافية لا مثيل لها، وقضية غامضة تحتاجُ إلى حل، وأصبحت في عام 2016 فيلماً سينمائياً من بطولة الممثل توم هانكس، وفي سنة 2020 عاد الحديث عنها، وتداول قصتها إلى الواجهة بعد الانتشار الهائل لجائحة فيروس كورونا.

استخدم دان براون في رواية الجحيم شخصية البطل الذي عرفت فيه معظم رواياته؛ وهو عالم الرموز البروفيسور روبرت لانغدون، الذي يتميّز بذكاءٍ حاد في حل الإشكاليات الرمزية، والألغاز التاريخية، والظواهر المعقدة، فيؤدي ذلك إلى استدعائه من قبل المنظمات الدولية، والهيئات العالمية، والجامعات؛ من أجل المشاركة في حل عقد قضية معينة أو جريمة غامضة، وتميزت سلسلة روايات براون التي كان بطلها لانغدون، برواجها السريع، وإقبال محبي هذا النوع من المؤلفات على اقتنائها فور صدورها.

تبدأ رواية الجحيم من لحظة استيقاظ العالم لانغدون في المستشفى، ثم خوضه رحلة مع طبيبة اسمها سيينا بروكس في مدينة فلورنسا ومعالمها القديمة والأثرية؛ بهدف الوصول إلى حلول ألغاز ورموز ذات دلالات خطيرة جداً، وجميعها مرتبطة بتهديد مباشر من شخص، اسمه برتراند زوبريست؛ وهو عالم تواصل مع منظمة الصحة العالمية؛ ليقدّم طريقة تساعد على الحدِّ من الزيادة السكانية المتسارعة في الكرة الأرضية، فاقترح أن يُطلقَ فيروساً وينشره في جميع أنحاء العالم، وعند إصابة الإنسان به سيموت فوراً، وهكذا يقلّ عدد السكّان، وفقاً لرأي زوبريست، وترفض منظمة الصحة اقتراحه؛ ما يدفعه إلى اتخاذ قرار بإطلاق الفيروس، وتنفيذ خطته، ويكون دور لانغدون الإسراع في إيقاف انتشار الفيروس، وحماية العالم من خطر وشيك.

إن تشابه الفكرة الرئيسة لرواية الجحيم، وتفشي فيروس كورونا عالمياً، وإصابة الملايين به، وانتقال الحالة الصحية للآلاف منهم إلى شديدة الخطورة، وتسجيل نسب مرتفعة من الوفيات، كل ذلك يؤدي إلى طرح سؤال، مفاده: هل تنبأت رواية الجحيم بفيروس كورونا؟ تحديداً مع كثرة الاستنتاجات والآراء التي يجمع أصحابها بين أعمال أدبية أو مصوّرة تكلّمت كل منها عن كارثة ما، كوقوع زلزال مدمر، أو تفجير إرهابي، أو آفة فيروسية، ولم تكون إلا مجرد خيالات وسيناريوهات مؤلفة بغرض لفت انتباه النّاس لا أكثر، ثم ظهرت في الواقع بعد مرور السنوات، ومن هنا ربط محبو نظريات المؤامرة بين فيروس كورونا، والإنتاجات في الأدب أو السينما التي تحدثت عن فيروس يشبهه في الماضي؛ من حيث كيفية الانتشار، والتأثير العالمي، انتهاءً بإيجاد علاجه أو ترك الباب موارباً أمام وضع نهاية له.

أرى أنه لا يوجد أي دليل علمي يشير إلى تشابه فيروس رواية الجحيم وفيروس كورونا معاً، والباحث في التاريخ الطبي لفيروس كورونا يدرك بسهولة أن سلالته الأولى اكتشفت في ستينيات القرن العشرين، ولاحقاً صار يتطوّر بناءً على المعطيات المرضية السائدة في كل عصر، وفي أواخر عام 2019 ازداد فتكاً، وبات جائحة خطيرة هددت البشرية جمعاء. أمّا رواية الجحيم، فليست إلا عملاً روائياً أثار من خلاله الكاتب براون فضول القراء؛ لمتابعة البطل وهو يحل الرموز المعقدة التي تواجهه، وأيضاً قد يكون أراد تنبيه العالم إلى احتمال انتشار فيروس خطير في يومٍ ما.

دلالات