هل تعرفين غودو؟

هل تعرفين غودو؟

03 يونيو 2017
+ الخط -
لم أكن أعرف غودو. كنت أنتظره دون أن أسميه. وصدفةً اكتشفت أن الأمل… هو انتظار غودو الآتي الذي لن يأتي أبداً.
أنا وصديقي في الشمال، في العراء، أصوات كلاب وحركة حشرات. كنّا نبحث عن مكان ما. ونسمات صيفية، ذكرّتني.. بمسرحية في حديقة، عندما كنت أصغر من أن أفهم شكسبير، وأكبر من ألا تسحرني النسمات.  

لم أكن أعرف غودو، وصدفة وجدت بيتاً بلا جدران، بيتاً على حافة الهاوية.
كنت أنتظره دون أن أسميه.  

أما عندما كانت جدتي تغلق الستائر لكي لا ترى صورته.  كنت أشتري مهرجين من مُسلح تحت خيمة مسروقة من الأمم المتحدة. وكنت أمنطق الأمور: ثلاث قذائف وفرقة رابعة = قوس قزح، كنت أحب الرياضيات. 

عندما وُلدت كتبوا على دفتري "حدث انقلاب في الاتحاد السوفييتي ثم عاد الرئيس من جديد وفشل الانقلاب. كان الجو حاراً جداً". لم يتوقعوا قدومي... كنت مستعجلة، أحب الحكايات، وتبكيني الأغاني. وبعد فترة صرت أرسم مهرجين، وأسأل عن المعنى. 

ما هي احتمالات الحياة على حافة الهاوية؟ لماذا لم أعد أحلم في ليلة صيف؟ من اتهم خالق غودو أن غودو هو الله؟ 

في بيت بلا جدران، على حافة الهاوية. سألني: هل تعرفين غودو؟ وأخبرني أنها كل الاحتمالات.  

موسيقى الهلع.
الخوف: انفعالٌ في النفس يبعثه صاحب السلطة لينال ما يريده من الخائف، صاحب السلطة من الممكن أن يكون حيواناً، إنساناً، أو الأنا العليا. "كل شيء يختفي أمام الخوف. الخوف هذه العاطفة الجميلة الخالية من الخلط، المجردة عن الغرض، إحدى العواطف النبيلة التي تستمد نبلها من البطن".* 

وفي المعجم: يَحدُثُ لتوقُّع ما يرد من المكروه أو يفوت من المحبوب.

طفلة في الخامسة من العمر، وخبراء. تدخل بصحبة والدتها، الصمت يسيطر على المكان بدخولهما، لم تفهم وتذكرت أنها اختارت تلك الآلة باصرار. فضلتها على الكمنجة. على الأقل تستطيع الجلوس، وتقلل من ضرر النشاز على أذنيها الصغيرتين، على الجيران والمارة. البيانو كان إحدى خياراتها الأولى في الحياة، ولكن من أين تأتي تلك الرجفة في الأصابع؟ علموها أن عليها فرك  اليدين، يحكى أن الخوف فطري ولكن من الممكن أن يُعلّم، تنفخ هواء ساخناً، وتقترب من المدفأة، ثم تخرَج عن الإيقاع ومن القاعة. 

رافقها المترونوم (جهاز لضبط السرعة) لسنوات بعد حادثة القاعة، ما تزال تسمعه لضبط أفكارها أو حتى هلوساتها. تك تك تك، ما وزن تلك الفكرة؟ 

اكتشَفت أن الخوف دائماً يخرج عن الإيقاع، والتنفس على وزن محدد، كالمترونوم تماماَ، يضبط الخوف فيُسكنه. بحسب جون كيج: "كل ما نفعله هو موسيقى". ومع الزمن صار الصمت موسيقاها المفضلة. الصمت المريح، "الهدوء القاتل الجميل"، فصارت تقضي معظم وقتها في المكتبة، حيث للكلام أو لأي صوت غرابة غير معتادة، فعندما يقلب الشاب مقابلها الصفحة تُلقى عليه الأضواء.. أهو غثيان سارتر؟ 

بمحض صدفة أصابها الهلع أمام موسيقي، طلبَت أن يستمر بالعزف، وضبطَت نفسها وتنفسها على إيقاعه. وهي ما تزال تبحث عن الصمت.

*الاقتباس من مسرحية كاليجولا لألبير كامو، باريس، 1944.

*أغنية هدوء، آمال مثلوثي.

B7E23988-E52C-4709-9356-C4309D43462E
نور شنتوت

مواليد دمشق 1991 درسَت الفنون الجميلة في جامعة دمشق. تخرَّجت من جامعة ALBA في بيروت عام 2014، حيث حصلت على جائزة "هيلين الخال"، وأكملت دراستها في جامعة الفنون الجميلة في باريس. حالياً مقيمة في فيننا، وتدرس في جامعة الفنون الجميلة.

مدونات أخرى