هكذا حُرّرت

هكذا حُرّرت

25 مايو 2014
+ الخط -


التقته يوم التحرير (من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو/أيّار 2000). لا تنسَ تفاصيلَ ذلك اليوم. كأن البشر أجمعين جاؤوا إلى ساحة بلدة الخيام للاحتفال. حلقات متواصلة من الدبكة. بدا وجهه مشرقاً. لم يخبرها أنّه سيأتي إلى الضيعة. أصلاً لم تكن تعرف بعد. إنّ هذا اليوم سيؤرّخ للانسحاب الإسرائيلي من الجنوب. كان الاحتلال قد أفرج عنه قبل شهرين من معتقل الخيام، بعدما قضى فيه حوالي 9 أشهر. إلا أنّ العملاء أو "الأمن" نفوه إلى بيروت، فلم تستطع رؤيته.

كانا يكتفيان ببعض المكالمات الهاتفية بين الحين والآخر. لا شيء يتحدثان عنه إلا الاشتياق. يتبادلان كلمات قليلة ويصمتان طويلاً. تربكهما عباراتهما. يسألها ماذا تغيّر فيها؟ تعجز عن الإجابة. لكنه يعرفها. يخبرها أنّه على ثقة أنّها ازدادت جمالاً، وأنّه يعجز عن النوم لأنّ حلم رؤيتها لا يفارقه.

أربكها اللقاء. قبل أنّ تصعد عينيها إلى عينيه، وقعت على قميصه الأبيض التي كانت تحب أنّ يرتديه. لفتها أنّه لم يكن مكويّاً. بدا خارجاً من معركة طاحنة. كأنّه ركض من بيروت إلى الخيام ليراها. كانت تؤجل لقاء عينيهما. خشيّت أنّ تسقط بين يديه في ضيعتها المحافظة المفتوحة على "القال والقيل". اكتفيا بسلام عادي. لم تعرف إن كانت فرحتها برؤيته أكبر من فرحتها بالتحرير. حتى إنّها خافت من المساواة بين الاثنين.

رآها للمرّة الأولى تمشي وأصدقاؤها في شارع "العشاق"، كما هو متعارف عليه، عام 1998. وأحبها. كان يعمل في إذاعة الخيام. لم تكن تعرف في ذلك الوقت أنّه يعمل أيضاً مع استخبارات الجيش. تذكر أنّه كان للإذاعة باب خلفي، اعتادت أنّ تدخل منه مع أربع من صديقاتها حتى لا يراها أحد للقائه.

كانت الإذاعة ملجأهما. اعتادا على إهداء بعضهما بعضاً الأغنيات. لم يعلنا اسميهما يوماً. اختارا التنكر من خلال برجيهما. فيقول المذيع: "هذه الأغنية مهداة من ثور ثور إلى دلو دلو"، والعكس. تذكر أنّها كانت تغلق باب غرفتها وتراقص المذياع كمجنونة.

على مقربة من هذا المكان، اعتقله العملاء، وزجوه في معتقل الخيام. كان ذلك في عام 1999، إلى أنّ جاء "الأمن" وفتشوا منزلها وعثروا تحت وسادتها على اسميهما منقوشاً على مجموعة من الأقمشة الصغيرة، تملؤها القلوب. لكنهم صادروها. حرموه أيضاً من رسائلها التي كانت تخيط أوراقها وتجعل منها كتاباً.

كان لقاءً جميلاً، كالتحرير. رشّ الأرز فوق رأسيهما كأنهما في عرس، حالهما حال المئات. مع ذلك، افترقا. اليوم، تذكر فقط أنّها عاشت قصة جميلة، كالتحرير.

دلالات

المساهمون