نهاية عهد الجيوش النظامية

نهاية عهد الجيوش النظامية

08 اغسطس 2017
عنصر من حزب الله بجرود عرسال اللبنانية (رتيب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -

​يتراجع دور الجيوش النظامية في حروب العالم اليوم لمصلحة أشكال مُختلفة من الفرق القتالية غير التقليدية التي تتخذ أشكال مليشيات عقائدية أو أخرى من المرتزقة الذين يجمعهم حب المال لقتال مُختلف الجهات. يمزج هؤلاء بين القدرات القتالية الاستثنائية نتيجة التدريبات الخاصة التي يتلقاها عناصر هذه القوات ويُحرم منها خريجو الكليات الحربية التقليدية، وبين عدم الحاجة للالتزام بأي شكل من أشكال قوانين الحرب، لأنهم غير محسوبين على أي دولة.

أغار هؤلاء على المدن المحاصرة وهاجموا خواصر الجيوش المقابلة حتى أنهكوها، وفي فترات السلم كانوا الخيار الأمثل لافتعال الحروب أو تنفيذ الاغتيالات والتصفيات. دارت العهود وأصبحت سوق المرتزقة جزءاً لا يتجزأ من حلقة الحروب التي تُنتج المزيد من المرتزقة الذين يُنتجون بدورهم المزيد من الحروب. كما ساهم تشتت العديد من جيوش المنطقة كالجيش المصري أو السوري والليبي واليمني في تحّول ضباط الجيوش وعناصرها إلى إدارة التنظيمات المتطرفة، التي وجدوا فيها ضالة تُعيد إليهم جزءاً من الاعتبار الشخصي أو لأسباب طائفية أخرى.

ولم يعد المرتزقة سرايا مُتفرقة يحتاج جمعها إلى مبعوثين يزورون دول الحروب لشراء خدمات مقاتليها، بل ساهمت دول كالإمارات وروسيا والولايات المتحدة في مأسسة سوق المرتزقة على نطاق واسع، ودعم القدرات القتالية للمرتزقة بأنظمة الاتصالات والرصد المتطورة تحت غطاء رسمي منها. وبات للشركات الأمنية التي تملك واجهات عمل قانونية مقار ثابتة لطلب الخدمات القتالية منها. وأصبح تغيير اسم شركة كـ"بلاك ووتر"، التي تورطت في قتل مدنيين عراقيين، وإعادة إطلاق أعمالها سهلاً وبسيطاً، بسهولة تسجيل شركة تجارية عادية. أما التنظيمات العقائدية فقد سبقت في سرعة تطورها العديد من جيوش المنطقة، بل وحلت محلها في تنفيذ العمليات العسكرية داخل البلدان.

وقد أغرت التجارب الناجحة، بالمعنى العسكري، لـ"حزب الله" اللبناني و"الحشد الشعبي" العراقي ومليشيا الحوثي في اليمن، مجموعات مُختلفة في دول أخرى لاستنساخ هذه التجارب وإطلاق حركات شبه عسكرية، تحظى بغطاء من السلطات المحلية وبدعم إقليمي يحجز لها موقعاً قتالياً في الحروب الإقليمية المُشتعلة. وإن طالت المعارك الدائرة أو قصرت فإن محاولة استيعاب مقاتلي هذه التنظيمات ضمن حدود أوطانها أو في مؤسسات الدولة سيشكل تحدياً كبيراً. ولكم في تجربتي الأفغان العرب والحرب الأهلية اللبنانية أمثلة حية على أنظمة فشلت في استيعاب "المجاهدين"، الذين تحوّلوا إلى مصدر قلق أمني وعسكري فأُعيد تصديرهم إلى الساحات الحامية في سورية والعراق واليمن، وعلى نظام فاشل قام على تسوية إقليمية دمجت المليشيات وقادتها في النظام الرسمي الطائفي الهش.

المساهمون