نظرة على عقل جهادي من أوروبا "في دار الحرب"

نظرة على عقل جهادي من أوروبا "في دار الحرب"

25 يونيو 2015
حجرة في دار الحرب للألماني كريستوف بيترز (مواقع التواصل)
+ الخط -

جهادي أوروبي يحلم بتغيير الشرق إلى ما يتخيّله عن "جنة الإسلام"، لكنه يقع في قبضة السلطات المصرية، وتنتهي رحلته القصيرة مع الإسلام على منصة الإعدام مداناً بالإرهاب.

هذا هو الخيط الرئيسي في رواية "حجرة في دار الحرب" للألماني "كريستوف بيترز" التي صدرت ترجمتها العربية مطلع العام الجاري عن المركز القومي للترجمة في القاهرة.


ولكن هذا الاختصار مخل جداً بحقيقة هذه الرواية المعقدة، إنها رواية تطمح لأن تناقش أحلام التغيير المثالية، حين تقترن بالعنف في نفس الوقت التي تطرح فيه مسألة الجهاديين الأوروبيين على الطاولة.

تدور الرواية في مطلع تسعينيات القرن العشرين؛ حيث تنخرط جماعات جهادية متعددة في صراع مسلح مع السلطات المصرية، ويسافر بطل الرواية إلى مصر للاشتراك في إحدى العمليات في صعيد مصر، عملية تهدف لقتل سياح أجانب وتفجير معبد فرعوني؛ تدمير المعبد نفسه أحد أهداف العملية.

لا بد أن هذا سيحملنا فوراً إلى الواقع المعاصر، حيث تقوم جيوش الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" بتدمير الآثار بالفعل، وإلى ظاهرة الجهاديين الأوروبيين التي اتسع نطاقها مؤخراً.

ولكن مؤلف الرواية كريستوف بيترز يقول لملحق جيل "إنه انتهى من كتابة هذه الرواية عام 2005"؛ أي قبل استفحال هذه الظاهرة بسنوات.

من الحب إلى الإسلام

تغوص الرواية في عقل "يوخن عبدالله سافاتسكي" الذي يقوده الحب إلى الإسلام، ثم تقوده مجموعة من الطلاب المسلمين الذين يدرسون في مدينة فرانكفورت الألمانية إلى الجماعات الجهادية، وعبرها يقوده يقينه بالإسلام ورغبته في تغيير العالم إلى ما يرى أنه "جنة الإسلام" إلى السجون المصرية.

تعرض الرواية منذ صفحاتها الأولى تعقيدات علاقة "سافاتسكي" بالجهاد وزملائه الجهاديين العرب، فهو، على العكس منهم، لا يرى في الآثار مجرد أحجار يجب محوها، وبعضهم يشكّ في ولائه لمجرد اختلاف لون البشرة أو الحديث باللغة الألمانية.

هو يحاول أن يهرب من قصة حبه لـ"أروى"، المصرية التي جذبه جمالها إلى المسجد حيث بدأت قصته مع الإسلام، ولكن قصة الحب تعود لتزوره في أحلامه وفي التحقيقات وفي أحاديثه مع السفير الألماني في القاهرة.

وتعد حوارات "سافاتسكي" وعلاقته المعقّدة مع سفير بلاده في مصر "كلاوس سيزمار" هي العمود الفقري للرواية، ففيها يعرض الروائي ما يرى أنه رؤية الجهاديين الأوروبيين للعالم.

ويتضمن الكتاب صفحات طويلة من المناقشات الدينية والفلسفية والسياسية بين "سافاتسكي" و"سيزمار" حول العدل والإسلام والمسيحية، لا ينتصر المؤلف لطرف، ولكن لا يختزل رؤية أي طرف كذلك.

ويقول المؤلف كريستوف بيترز لملحق جيل إنه التقى بالفعل شباناً مسلمين في ألمانيا عندما كان يستعد لكتابة الرواية، وإن كثيراً منهم تحولوا إلى "الراديكالية" والتطرف في نظرتهم للأمور، تحت تأثير دعاة قادمين من الشرق الأوسط، وإنه حتى التقى بعض هؤلاء الدعاة، واستفاد من أحاديثه معهم في خلق بطل الرواية.

عقدة "سيزمار"

لكن الرواية ليست ببساطة عن الجهاد والإسلام، فعندما يظهر السفير "سيزمار" على صفحاتها نبدأ في اكتشاف عوالم أخرى، فالدبلوماسي المحنك كان في أعوام دراسته متعاطفاً مع مجموعات يسارية اتخذت العنف طريقاً لما رأت أنه "جنة الاشتراكية" على الأرض.

كان "سيزمار" الشاب قريباً من اليسار عندما ظهر الجيش الأحمر الألماني، ووضعت "بادر-ماينهوف" بصمتها الدموية على الساحة السياسية في ألمانيا، لكنه لم يكن أبدا نشطا بالمعنى المفهوم.

وربما لذلك ظل "سيزمار" يحمل عقدة الذنب بداخله تجاه هؤلاء الشبان الذين حاربوا في صفوف الجماعات اليسارية الألمانية المسلّحة، فقد تعاطف معهم، ولكنه خاف أن يفصح عن هذا التعاطف؛ لقد اعتبرهم مناضلين من أجل المستقبل، ولكنه لم يدعمهم أبدا، وفضّل أن يعمل من أجل مستقبله الخاص وسط الشركات الكبرى ثم مؤسسات الدولة.

وعندما ظهر موضوع "سافاتسكي" أمام "سيزمار" أعاد تجسيد كل هذه العقد، وخلق حالة من التعاطف لدى السفير تجاه مواطنه "الجهادي".

يكافح "سيزمار" عبر صفحات الرواية محاولاً إنقاذ "سافاتسكي"، ولكن من دون جدوى، فالشاب المتمسك بأفكاره لا يبدي أي مرونة مع المحققين، والسلطات المصرية لا تريد أن تبدو رفيقة بالجهاديين الأجانب حتى لا يتدفقوا على البلاد لمساعدة أقرانهم المصريين.

وهكذا يقود تشدد الطرفين "سافاتسكي" إلى حبل المشنقة، ويقود الضغط العصبي الذي تخلقه عقدة الذنب السفير إلى انهيار صحي يطلب على إثره مغادرة مصر إلى ألمانيا.

ولكن "سيزمار" يصرّ على أن يلتقي "سافاتسكي" للمرة الأخيرة في محبسه ليودعه ويحاول أن يقنعه برؤية أمه، ويكاد "سافاتسكي" أن ينهار عند ذكر أمه، ويفضل ألا تراه في السجن (يقول بصوت خافت: "أمي الصغيرة والسمينة".. نبرة صوته فيها شيء من الألم والحزن.. "يا إلهي؛ نعم!".. ينحي المسألة جانباً.. "لا؛ لا أريد ذلك").

حكاية البشر

بتفاصيل كثيرة مثل علاقة "سافاتسكي" بمحبوبته أروى ومشاعره تجاه أمه يحوّل الكاتب أشخاص الرواية إلى كائنات حقيقية، وليس مجرد مرددين لخطب حول الأفكار العظيمة، والأمر نفسه بالنسبة للسفير الذي تعرض الرواية حياته العاطفية التي تمر بأزمة منتصف العمر، وكيف أنقذ الانهيار الصحي زواجه من الانهيار.

كذلك يعرض الكاتب الألماني ببراعة، وبقدر كبير من التعاطف، للمجتمع المصري في تلك الفترة، ويقدم شخصياته بتناقضاتها من دون أحكام أو نظرة استشراقية.

ويوضح المؤلف كريستوف بيترز لملحق جيل أنه زار مصر في تلك الفترة كثيراً من المرات ومكث لفترات طويلة، فقد كانت له قريبة مقيمة في مصر ومتزوجة من مصري، ما أتاح له فرصة للحديث مع كثير من المصريين في مختلف المجالات.

تقدم رواية "حجرة في دار الحرب" نظرةً مميزة على مصر التسعينيات، نظرة تحمل مميزات التفحص من الخارج والمعايشة في الداخل، تقترب بصورة خاصة من الجهاديين ومن شبكات الدبلوماسية المعقدة، ولكن من دون أن تغفل تعقيدات المجتمع المصري.

(مصر)

المساهمون