نص مرافعة النيابة بمحاكمة "مبارك" ونجليه

نص مرافعة النيابة بمحاكمة "مبارك" ونجليه

22 مارس 2014
+ الخط -

ينشر "العربي الجديد" النص الكامل لمرافعة النيابة العامة، التي تلتها قبل قليل، اليوم السبت، خلال جلسة إعادة محاكمة الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي و6 قيادات أمنية من كبار مساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين، المتهمين بقتل المتظاهرين إبان ثورة 25 يناير 2011، واستغلال النفوذ والتربّح وإهدار المال العام.

وجاء نص المرافعة كالتالي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك مَن تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ مَن تشاء وتذلّ مَن تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير".

ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"، بسم الله الحق، وبهداه العدل، بسم الله الرحمن الرحيم، نحمده ونستعينه ونستهديه ونسأله الهداية والتوفيق.

السيد الرئيس، حضرات القضاة الأجلاء.. في مصر، الزمان أيام وشهور وسنين، تتيه زهواً وخيلاء على سواها، يعرفها الناس منذ أن انفلق عنها الغروب، مؤذناً بمولدها، تتهافت على مطلعها الأرواح، وتتعانق الأنفس، لا تودّ لها مغيباً. وأحسب أن الأيام من 25 يناير/ (كانون الثاني) إلى 11 فبراير/ (شباط) من عام 2011 من تلك الأيام النادية الخالدة التي ستظل في ذاكرة الشعب والعالم بأسره ولم تمح منه، لأن آثارها ونتائجها هي السبب في مثولنا في هذه الساحة المقدسة، يحوطنا فيها شرف تمثيل النيابة العامة للمجتمع، حاملين إليكم كلمة المجتمع في قضية فريدة وغير مسبوقة، أطلق عليها البعض قضية القرن، ولكن الحقيقة والواقع يقران أنها القضية الأولى والأهم في سجل تاريخ القضاء المصري، بل في سجل التاريخ المصري والعربي والعالمي.

وتتجلي أهميتها في أنها المرة الأولى في تاريخ مصر والعرب التي يخضع فيها رأس الدولة الحاكم لسلطان العدالة للتحقيق معه ومحاكمته، تجسيداً واقعاً للعدل الذي يطبّق على الحاكم والمحكوم، لأنها المرة الأولى التي يحاكم فيها المصريون رئيسهم في مشهد غير مسبوق لم يحدث وربما لن يتكرر.

قضية تعني لمصر ومنطقة الشرق الأوسط سقوط عهد حكم الفرد بلا عودة ونهاية عصور طويلة من الحكم الاستبدادي، إذ اعتبر فيها الحاكم نفسه بديلاً عن الشعب تعلو إرادته عن الأمة، ولا يخضع للحساب والمساءلة لأنه فوق القانون، قضية تذكّر كل حاكم بأنه مسؤول عن صحة وسلامة المواطنين.

إن الحركات السياسية بدأت للظهور في الشارع منذ عام 2006، مثل حركة كفاية و6 إبريل وبعض الأحزاب التي كانت تعبّر عن الشعب وباشرت العديد من الفعاليات لمواجهة نظام مستبدّ سعى إلى توريث الحكم، وتفشى الفساد بداخله ولم تتم محاسبة الفاسدين وذلك لاحتمائهم بالسلطة، وزادت أسعار السلع الرئيسة وأصبح المواطن آخر اهتمام النظام.

وإن النظام لم يكتفِ بذلك وزوّر انتخابات 2010. والعجيب أن المتهم الأول مبارك خرج ليشيد بنزاهة الانتخابات، وكان لمقتل أحد شباب الإسكندرية على أيدي قوات الأمن ونجاح ثورة تونس الأثر البالغ في تفجير الغضب، وأنه في المقابل فإن الجهاز الأمني تبنى سياسة قمعية مع المتظاهرين، وأن الشرطة أطلقت الرصاص على المتظاهرين خلال أحداث الثورة، وعندما حملوا أحد القتلى وذهبوا به إلى وزارة الداخلية قابلتهم الشرطة بالرصاص، وفقاً لما هو ثابت في الفيديوهات المقدمة من النيابة في أحراز القضية المنظورة.

قضية استثنائية

إننا أمام قضية استثنائية بكل المقاييس، حيث يحاكم الشعب مَن كان يوما رئيساً، فيما المجنيّ عليهم ضحايا لا يعلمون بأي ذنب قتلوا، وآخرون أصيبوا بعاهات طوال حياتهم، ولا ذنب لهم في استهدافهم سوى أنهم أرادوا لهذا الوطن أن يكون أفضل، وأنهم لم يقبلوا الذل والظلم لهم ولذويهم، لم يتصوروا أن يكون هذا مصيرهم. هي قضية قتل لقلوب الأمهات وأشقاء مكلومين، ونساء رُمّلت وأطفال يُتّمت من نظام قمعي مستبدّ تعامل مع أبناء الوطن بقلبٍ ميت، وقست قلوبهم وكأنها كالحجارة بل أشد قسوة، وصوّبوا أسلحتهم إلى صدورهم. فنحن كمواطنين قبل أن نكون ممثلين للنيابة تعترينا الحسرة والألم على نظام كان على استعداد أن يفعل أي شيء وبأي طريقة حفاظاً على العرش.

إن القضية هي تجسيد حقيقي لسيادة القانون على الحاكم والمحكوم وتأييد سقوط عصر حكم الفرد ونهاية عصور الاستبداد، محاكمةٌ لحاكمٍ اعتبر نفسه بديلاً عن الشعب ولا يخضع للمحاسبة لأنه فوق القانون. فالقضية المنظورة أمام سيادتكم هي درس لجميع مَن يريد أن يحكم البلاد بأنه سيحاكم ويحاسب وأنه لا يوجد أحد فوق القانون، ولكي يتذكروا بأن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة.

إن القضية متعلقة بالقتل والاشتراك والشروع فيه، وتتلخص في أن الجهات الأمنية رصدت في أكتوبر/ (تشرين الأول) 2010 وجود حالة غضب شديد لدى طوائف الشعب تصاعدت في نوفمبر/ تشرين الثاني) عقب الانتخابات المزورة ونتائجها، وازدادت بعد أحداث قيام الثورة في تونس، كل هذا بالإضافة إلى تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة ترهّل النظام وتكريس الدولة كلها لخدمة مشروع التوريث من تزوير للانتخابات وإخفاق كل العناصر السياسية والنخبة في المعارضة والتيارات السياسية المختلفة في الحصول على أي مقاعد في مجلس الشعب وسيطرة الحزب الوطني على المجلس.

بالإضافة إلى بقاء العديد من المسؤولين الفاسدين في مواقعهم لسنين طويلة وتفشي الفساد دون محاسبة، وارتفاع الأسعار وعدم شعور المواطنين بأي نتائج إيجابية وذلك لتبني سياسات اقتصادية تخدم الأغنياء وازدياد معدل الفقر وتصاعد المشاكل العمالية وغياب العدالة الاجتماعية.

كل هذا أدى إلى قيام بعض الشباب والناشطين في منتصف يناير بالدعوة على الإنترنت و"تويتر" لتنظيم تظاهرات حاشدة بمختلف المحافظات بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشرطة يوم 25 يناير تعبيراً عن احتجاجهم على سوء وتردي الأوضاع. وعقد العادلي اجتماعاً مع مساعديه وأصدر إليهم تعليمات بالتعامل الأمني العنيف. واستجاب الكثير من المواطنين لدعوات التظاهر وخرجوا في تظاهرات سلمية احتجاجية لم تشهدها البلاد من قبل، واتسمت بالحشد الضخم وتدفق المواطنين من مختلف القوى السياسية.

تظاهرات سلمية

هذه التظاهرة أخذت شكل التظاهرات السلمية لمختلف المواقع الحيوية بالقاهرة وبعض المحافظات للتعبير عن آرائهم التي تمثلت في القضاء على الفساد ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة ووقف عمليات التعذيب والاعتقالات وإقالة قيادات وزارة الداخلية وإلغاء الطوارئ وحل مجلسي الشعب والشورى وإجراء انتخابات نزيهة ووقف تصدير الغاز لإسرائيل.

ومساء ذلك اليوم زحفت كافة التظاهرات لميدان التحرير وامتلأ الميدان بالآلاف من المتظاهرين الذين أعلنوا عن اعتصامهم بالميدان حتى تلبية مطالبهم، فقامت الشرطة بناءً على التعليمات والأوامر الصادرة إليهم باستخدام القوة والعنف وتم تفريق المتظاهرين وسط الليل.

وواصل المتظاهرون في كافة المحافظات يوم 26 يناير 2011 التظاهرات. وفي الوقت ذاته، تم استخدام الخرطوش ضدهم لحملهم على التفرّق، فتسبب ذلك في وفاة البعض منهم، وقامت الجمعية الوطنية للتغيير وحركة شباب 6 ابريل و"كلنا خالد سعيد" بإطلاق دعوات على فيس بوك للتظاهرات الاحتجاجية يوم 28 يناير عقب صلاة الجمعة تحت مسمى "جمعة الغضب"، على أن يكون الانطلاق فيها من الشوارع الفرعية والأحياء الشعبية إلى الميادين العامة بالقاهرة والمحافظات لتنظيم اعتصام مفتوح لتنفيذ مطالبهم.

وعلى إثر ذلك عقد المتهمون العادلي ومساعدوه اجتماعاً آخر يوم 27 يناير اتفقوا فيه على تكليف القوات بمنع وصول المتظاهرين إلى ميدان التحرير والميادين العامة بأي طريقة كانت والسماح للقوات بإطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين حتى ولو أدت إلى قتلهم لتخويف الباقين وحثهم على التفرّق. وأخذ العادلي قراره المنفرد بإبلاغ الهيئة القومية للاتصالات بقطع الخدمة من خلال شركات المحمول الثلاث بهدف تقليل التواصل بين المتظاهرين.

حشود ضخمة

وفوجئت الشرطة يوم 28 يناير بحشود ضخمة في صلاة الجمعة بكافة المساجد ومختلف المحافظات، أعقبها خروج الآلاف من المصلين في تظاهرات سلمية حاشدة ضمّت أعداداً غفيرة من المواطنين من ذوي الانتماءات السياسية وغيرهم دون أن يؤثر قطع الهواتف على نسبة المشاركة.

وحاولت الشرطة تفريق التجمعات والسيطرة عليها، ولكنها عجزت، لعدم تناسب إمكانياتها مع هذا العدد، رغم ذلك أصرّت القوات على محاولة منع المتظاهرين من الوصول لميدان التحرير والميادين الأخرى ونفذت التعليمات الصادرة إليها من المتهمين العادلي ومساعديه باستخدام العنف مع المتظاهرين وإطلاق الأعيرة النارية في محاولة لتخويف باقي المتظاهرين وحملهم على التفرق.

خرجت مجموعات من خيرة أبناء الوطن إلى الميادين العامة في القاهرة والمحافظات في تظاهرات سلمية مطالبين بالحرية والكرامة، وإذا بهم وفي حالة اعتصامهم وتظاهرهم السلمي يفاجأون برجال الشرطة ينهالون على بعضهم بصورة عشوائية بالضرب رمياً بالرصاص الحي والخرطوش والمطاطي في مواضع قاتلة بالرأس والصدر والبطن، وتمت ملاحقتهم في الشوارع ودهسهم بسيارات الشرطة.. ما أدى إلى وفاة 225 منهم وإصابة 1635 متظاهراً فضلاً عن حدوث تلفيات بكافة المنشآت الشرطية والمحاكم والمنشآت الخاصة.

دلالات