ندوة عن الإسلام في برلمان فرنسا دون حضور مسلمين

ندوة عن الإسلام في برلمان فرنسا دون حضور مسلمين

23 يونيو 2015
اللقاءات السابقة لم تجد أيضاً
+ الخط -
حين يسأل عن السبب الذي يجعل الإسلام الدين الوحيد الذي يُطلَب منه أن يبذل جهدا للتأقلم، يقال لك إن الديانات الأخرى، من مسيحية ويهودية، فعلت ذلك قبل فترة بعيدة، وهو أيضاً السبب في أنّ الفصل بين الدين والدولة، سنة 1905، لم يكن يعني الدين الإسلامي.

سبق أن عقد لقاء وصف حينها بأنه لحظة فارقة في تاريخ الإسلام "الفرنسي"، وقيل إنه لقي نجاحاً كبيراً، واللقاء عقد في مقر وزارة الداخلية الفرنسية، بحضور شخصيات اختيرت حسب هوى المنظمّين، وأسباب تجاهله كثيرة، على رأسها حقيقة أن الإسلام في فرنسا متعدد وممثليه كُثُرٌ، ولا يمكن حل إشكالات معقدة بمجرد قرار أو بصورة أمام الكاميرا.

وظهر نداء جديد وقعه سياسيون ومثقفون فرنسيون يطالب الإسلام، كالعادة، ببذل مجهود للتأقلم مع المجتمع الفرنسي.

وكان وراء النداء الاشتراكي جان غلافاني، المعروف بمواقفه العلمانية، والتي عرفها الفرنسيون يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2009 عندما وجّه البرلمان الفرنسي دعوة للمفكر الإسلامي السويسري طارق رمضان لمناقشة لجنة برلمانية حول قضية النقاب في فرنسا داخل البرلمان، وشاهد الجمهور العدوانية الجارفة للنائب الاشتراكي تجاه رمضان، واتهاماته العشوائية وأخيرا جهله المدقع بالإسلام وبمؤلفات وتصورات واقتراحات طارق رمضان، الذي بدا، عكسه، هادئا، وعاتب فرنسا، بلد حقوق الإنسان والمواطن، على المنع الذي استهدفه خلال سنوات طويلة.

الشيء نفسه حدث في البرلمان الفرنسي وبحضور ما يقرب ثلاثين شخصية، في ندوة حملت اسم "الجمهورية والإسلام: لنرفع التحدّي معا"، ظهيرة أمس الاثنين، وضم الحضور عبد النور بيدار، الذي تحاول وسائل الإعلام والسلطة الفرنسية هذه الأيام رفعه إلى مصاف الشخصيات المهمة في فرنسا، والذي كلفته وزارة التربية الوطنية بإنجاز تقرير حول العلمانية في فرنسا، والذي حل محلّ الراحل عبد الوهاب المؤدب في تقديم وإنتاج برنامج "ثقافات الإسلام" في راديو فرانس كولتور.



وأصدر بيدار مؤلفات أثارت حفيظة كثير من مسلمي فرنسا، من بينها "سيلف إسلام"، كما أن جرأته في التعبير عن مواقفه تثير الصدمة، كاقتراحه في لقاء مع مجلة "فيلوزوفي ماغازين" الشهرية الفرنسية "نسخ كل الآيات القرآنية التي يُشتمُّ فيها عنفٌ أو قسوة"، وفي لقاء مع لوفيغارو بتاريخ 7 يونيو/حزيران 2015، يقول: "القرآن يحتوي، بالتأكيد، وهذا ما أتأسّف له، على آياتٍ إشكاليةٍ وشديدة العنف، والتي تُواصل، لحدّ الساعة، تسميمَناَ".

اقرأ أيضا:رئيس بلدية يطالب بحظر الإسلام في فرنسا

كما وجهت الدعوة في الندوة للمحللة السياسية جاكلين كوستا-لاسكو، ونائبة رئيس مجلس الشيوخ الاشتراكية باريزا خياري وغيرهم. ويرى الموقعون على نداء صدر عن اللقاء أنه يتكامل مع "اللقاء حول الإسلام الذي جرى مؤخرا في وزارة الداخلية"، وهو يصبو إلى "إنجاح الحوار عن طريق ترقيته إلى المستوى الفلسفي".

وإذا كان النداء يندد بخطابات الإقصاء التي تروم "التلاعب بمفهوم العلمانية من أجل التعتيم على معناها وحمولتها"، فإنه "يدعو الجمهوريين لإدانة الأصولية الدينية"، ويطالب السلطات العمومية بـ"قول الحقيقة بوضوح وهدوء واستبصار".

وعلى عادة كل الخطابات التي تلوم المسلمين، يوجه النداء رسالة إلى "المسلمين الذين لم يقوموا، بشكل جماعي، بمجهود تأقلم مع المجتمع الفرنسي". ويفسر لهم البيان الطرق الكفيلة بإنجاز هذا الجهد: "نشر وتشجيع ثقافة تتوقف عن إشهار العلامات الخارجية لإيمانهم تحت شكل الاستفزاز الراديكالي الذي لا يَقبل الجدل"، ويدين البيان رفض بعض المسلمين مصافحة النساء أو الصلوات في الشوارع.

ومن يقرأ السر الكامن وراء هذه اللقاءات والندوات التي تثير حفيظة مسلمي فرنسا، بسبب تركيزها، بشكل مهووس، على الدين الإسلامي، حسب رأي عالم الاجتماع قدور زويلاي، والتي عبرت مختلف الجمعيات الإسلامية عن حذرها الشديد من توقيتها وأهدافها، فإنه لا بد أن يكتشف الأغراض السياسية والانتخابية، فقبل هذه الندوة التي نظمها اشتراكيون ومقرّبون منهم في البرلمان، عقد حزب "الجمهوريون" يوم عمل عن الإسلام.

ويبقى أن نشير إلى أن المعنيين بالأمر، وهم مسلمو فرنسا، لم يكونوا حاضرين في ندوة البرلمان الفرنسي، على عادة ما كان يحدث إبان الأزمنة الكولونيالية، حيث لا يستشار الضعفاء وليس عليهم سوى التنفيذ، وهو ما لن يمنح أي صدى لمقرراته وتوصياته.

وحتى عبد النور بيدار، فليس له أي تأثير على المجموعة الإسلامية في فرنسا. كما أن كبرياء المسلمين أصيب، بقوة، حين نجد من بين الموقعين على البيان شخصيات غير إسلامية، بعضها لا يكن وُدّاً للمسلمين، كالمحامي جان نوّيل جانيني أو الماسوني العلماني باتريك كيسل وغيرهم.