نجوم الأغنية السياسية وجمهور الأغنيات الراقصة

نجوم الأغنية السياسية وجمهور الأغنيات الراقصة

10 مايو 2015
الشيخ والساهر والرحباني.. تباينت تجاربهم
+ الخط -

لم يعد جمهور الأغنية العربية معتادا على الأغنية التي تحمل رسالة، أو تدافع عن موقف، فأغنية اليوم يقف حدها عند قلب الحبيبة أو ربما جسدها.


وفي الأغنيات العاطفية السائدة، لا تصل المعاني في الأغلب إلى الرأس لتخاطب العقل، فلا الأغنية تنطق بما يُفيد، ولا الحبيبة تريد أن تسمع غزلاً يتجاوز غمازت وجنتيها أو رمش عينيها.

قليلة هي التجارب التي أطلقها بعض المطربين، للتغني بفكرة ما، فـزياد الرحباني مثلا، ظل مخلصاً لموسيقاه وتجربته الخاصة، حتى حينما قدم لوالدته السيدة فيروز أغنية "سألوني الناس"، تحولت الأغنية إلى نشيد متجدد، لكنه في ذات الوقت لم ينسلخ عن مشروعه الخاص والمعني بالحالة السياسية الناقدة التي تضخم الواقع المعاش لبنانياً بفكاهة عالية الدقة.

ويميز الرحباني؛ السخرية والعمق في معالجة الموضوع، حتى صار لفكرته مدرسة خاصة في الموسيقى العربية المعاصرة، حيث إن انشغاله السياسي ساهم في توجيه بوصلة ألحانه نحو مدى أبعد من أن يتقبله جمهور الأغنية العربية القائمة، لذلك لم تنتشر سوى أغنياته التي قدمها مع والدته.

فيما لم ييأس خالد الشيخ الذي عرفه الجمهور العربي في قصيدة الشاعر الراحل نزار قباني "عيناك"، التي قدمها غناء بمصاحبة العود، نهاية ثمانينيات القرن الماضي، حيث أصر على أن تبقى تجاربه محصورة في شكل غنائي لم يلق الانتشار الذي حققه بالقصيدة، فبقيت أغنيات مثل "كلما كنت بقربي" و"غزالي" و"عطش النخيل" بين دفتي مذياع عدد محدود من الجمهور، بسبب إصراره على تقديم الأغنية ذات الرسالة الفنية التي لم يعد يرغب فيها لا الجمهور ولا شركات الإنتاج.

كان كاظم الساهر الأذكى في التعاطي مع ذائقة الجمهور العربي، فوازن في تقديم ثلاثة أشكال غنائية، متفاوتة الرسائل ومتساوية المضمون، فقدم الأغنية الغزلية الشعبية بلهجات عربية مختلفة، أشهرها تعاطيه مع اللهجة المحكية العراقية ثم الخليجية، ثم قدم القصيدة الفصيحة متكئاً على أشعار نزار قباني، كما قدم الأغنية ذات الرسالة الفنية السياسية، في العديد من قصائده، كما في قصيدته "الرعاة والنار" التي لحنها على أشعار حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، والتي استعاد فيها غزو التتار للعاصمة العراقية بغداد، مسقطاً بشكل مباشر ما جرى في العراق في السنوات الأخيرة.


وأخيراً أطلق الملحن اللبناني سمير صفير أغنية بالتزامن مع الذكرى المئوية لما يُعرف بمجازر العثمانيين ضد الأرمن، لحنها وقدمها على كلمات كتبها إيلي الفرزلي، في حفل كبير حضره رجال دولة وسياسيون لبنانيون.

وقال صفير لـ"العربي الجديد": "لا يحق لأي إنسان على الأرض مهما علا شأنه، أن ينهي حياة إنسان، فقط الله هو من ينهي حياة الإنسان على الأرض بمشيئته، فما بالك بمليون ونصف المليون أرمني وسبعمائة ألف سرياني وكلداني وآشوري، تمت تصفيتهم عبر مجازر رهيبة" على حد قوله.

وطالب صفير تركيا بأن تعتذر عن مجازرها بحقهم "كما اعتذر بابا الفاتيكان عن مجازر الصليبيين التي أرفضها أيضاً" حسب تعبيره.

أيضاً، شغلت قصيدة الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان "موطني"؛ الجمهور العربي أخيراً، ليس بسبب دعوتها إلى الوحدة الوطنية العربية ولم شمل العرب المتفرقين حينما كتبها في أربعينيات القرن الفائت، بل لأن المغنية اللبنانية إليسا صاحبة الأغاني الرومانسية والإطلالات الجريئة، قررت فجأة أن تعيد تقديمها بصوتها بلا مناسبة، محولة حرف (الط) إلى (تاء)، مما عرضها لانتقادات واسعة، من الجمهور الذي قرر أيضاً فجأة أن يدافع عن القصيدة الأصلية المعروفة كنشيد وطني رسمي للعراق، ونشيد قومي للفلسطينيين.

وتبقى تجربة المطربة اللبنانية جوليا بطرس المخلصة للونها الغنائي، فجمهور لونها الغنائي لا يحبذه سوى المثقفين والباحثين عن حرية الكلمة والموقف معاً، فالأغنية التي تقدمها بطرس، لا ترتبط بذاكرة الجمهور الباحث عن هز الخصر بالدرجة الأولى، وقد تكون أغنيتها "وين الملايين" هي الوحيدة التي تحتل حيزاً في الذاكرة الجمعية للجمهور العربي، لحماسيتها وارتباطها بانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية عام 1988، عندما كانت القضية الفلسطينية ما زالت في أوج صدارة اهتمامات المواطن العربي، فضلا عن أغنية "يا حبيبي يا جنوب" التي قدمتها خلال الحرب الصهيونية على جنوب لبنان.

وما ينطبق على تجربة بطرس، يقاس أيضا على تجربتي اللبناني مارسيل خليفة والسوري سميح شقير، وكلاهما يقدم الأغنيات السياسية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالقضايا العربية عموماً وبالشأن الفلسطيني خصوصاَ، رغم أن خليفة في سنواته الأخيرة انصرف أكثر نحو تأليف المقطوعات الموسيقية التي بات يفضلها أكثر.

فيما كانت تجربة آمال ماهر، كلثومية الهوى، مختلفة، فهي ارتدت لفترة طويلة من الزمن عباءة أم كلثوم، وكانت بين أبرز من يقدم أغنياتها. وفي ظل ذلك قدمت قصيدة مختلفة الفكرة والموضوع من الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد بعنوان "احترامي للحرامي". لكن القصيدة الأغنية التي انتشرت لفترة من الوقت بسبب فرادة فكرتها، طواها النسيان جماهيرياً، فلا عادت ماهر تقدمها في حفلاتها، ولا عاد الجمهور يطلبها.

تبقى الأغنية رسالة وهدفا ذا مضمون، وهو ما يفتقده الكثير من المطربين هذه الأيام. المهم في الأغنية لكي تُخلّد أن تناقش هماَ جمعياَ، فأغنية الغزل تُنسى مع الأغنية اللاحقة والمشابهة لها في المضمون، لكن الأغنية صاحبة البُعد الفكري، تظل حاضرة في الذهن، وتُثري المكتبة الموسيقية لأجيال قادمة.

اقرأ أيضا:"المنتج عاوز كده" الأغنية العربية بيد المال الخليجي

المساهمون