نجمةُ وسرقات كبرى

نجمةُ وسرقات كبرى

29 ديسمبر 2017
+ الخط -
تشكلُ المجتمعاتُ الإنسانية رُموزها ورمزياتها من مكنوناتها الحضارية الدينية والتراكمات الملتفة بين الدين والاجتماع والأساطير المركبة. وقبل بكاء العرب على ضياع بيت المقدس، كانت النجمة السداسية رمزاً دلالياً مشتركاً، إذ لم تحدد الاتجاهات التاريخية سياقات ظهورها، وارتبطت البشرية بالسماء والنجوم كفضاء غامض، يعبر عن القوة والغيب والانحباس العقلي.
ويعتقد أن النجمة الخماسية ترمزُ لخاتم سليمان، فيما السداسية لدرع داود، على اعتبار أن الآية القرآنية واضحة في معجزاتها، إذ يحول الحديد إلى طين في يده مثلما يريد من دون نار، ويصنع منه الدروع "السابغات"، عنوان القوة والحرب والشجاعة والنصر، وهو ما استغله اليهود في اشتقاقات تفسيرية من الأضلاع الستة والسبت المسمّى منها.
وبما أن خمسة، ستة، سبعة، ذات مدلول روحاني، اكتفى المسلمون بالرقم خمسة رمزية للفرائض والأركان ثم السحر والحسد والشعوذة، والرقم سبعة تعبير عن الفاتحة أو السبع المثاني، والمعجزات وأيام الأسبوع والأشواط والمناسك.
ثم أن المسلمين أيضا استخدموا النجمة السداسية زخرفة هندسية وخاتما أميريا وشعارا حربيا، ومنها راية الأمير عبد القادر وخاتمه، بحيث تحمل الأضلاع الستة أسماء: الله، محمد، أبو بكر، عثمان، عمر، علي، واستخدمها السلطان سليمان القانوني، بحيث أن جميع العمران العثماني كان يتشكل حولها، ومنها مسجد كتشاوة في الجزائر العاصمة.
ثم انزلقت النجمة السداسية أيضا، للوقاية من الأرواح الشريرة والعلوم الخفية، واستخدمت في التعاويذ والسحر للتفسير نفسه، كشكل هيروغيليفي، جاءت أصلا من سيناء، وهاجرت إلى الهند عن طريق العجل المقدس، وسيناء هي الأرض المباركة في كل الديانات.
النجمة هذه، اختطفتها الماسونية ثم الحركة الصهيونية وعائلة روتشيلد منتصف القرن العشرين، في البحث عن شعار قوي بثقل تاريخي في مواجهة الصليب والهلال، لما تعبّر عنه من غموض وتناقضات، وتمدّد بين المجتمعات المشرقية في إطار "الإرث الرمزي المشترك"، وبما يُسهل الاستيلاء وحشد جمهور ديني تحت مظلة العقيدة اليهودية، لتقديم تفاسير لاهوتية مزيفة للدولة الجديدة، من خلال تتبع أماكن وجود النجمة كدليل إثبات لأمة يهودا القادمة، وترسيخه إعلاميا. وكان أغبى ما فعلته القنوات العربية هو نشر خوف السداسية المفتعل، لدول لا تقرأ من التاريخ سوى فواتير الماء والكهرباء وتتصارع على الماء والكلأ والنار، ونبش الورم الطائفي في أمة معطوبة.
ما تنتجه "داعش" الآن مع خاتم النبوة والراية المحمدية هو "إعادة" لما فعلته الحركة الصهيونية مع النجمة السداسية، إذ بعد عقود من اليوم سوف تستغرب الدراسات وجود راية داعش على جماليات عمرانية وكتب عريقة في اطار التأميمات الفكرية الهادمة والهادرة دون أن تصل تلك المجتمعات ربما إلى تفسير!
لذلك، دائما الرمزيات تولد معارف عميقة، ثم تنمو على شكل تعابير، بعد ذلك تنزلق نحو السحر والشعوذة والوقاية من الأرواح الشريرة، ثم يشتد عودها على التشدّد والتطرف فمرحلة الإلغاء العدمي، وفكرة الشعب المختار، هي مشتركات الصهيونية والنازية و"داعش" في تكريس ثقل الرمز في اللاوعي الجمعي، وإلغاء الآخر وفق كينونة تفسير المقدس مصلحيا والسرقات الكبرى تبدأ بسرقة صغرى.
56EAB6B5-094D-4AA5-BC67-4BFCF9368C75
56EAB6B5-094D-4AA5-BC67-4BFCF9368C75
الحسن حرمة (الجزائر)
الحسن حرمة (الجزائر)