موسم الهجرة إلى ليبرلاند

موسم الهجرة إلى ليبرلاند

05 نوفمبر 2016
(مؤسس ليبرلاند مع زوّاره، الصورة: صفحة ليبرلاند/ فيسبوك)
+ الخط -

أعلن فيت جيدليكا، وهو مواطن تشيكي، عن مبادرة غريبة من نوعها في 13 من أبريل/ نيسان 2015، وهي إقامة دولة جديدة تحت مسمّى ليبرلاند، وتقع جغرافيا هذه الدولة في منطقة غير مأهولةٍ بين كرواتيا وصربيا على الضفّة الغربية لنهر الدانوب.

وتبلغ مساحتة ليبرلاند سبعة كيلومترات مربعة خالية من السكّان، وقد رفع مؤسّس ليبرلاند شعارًا رسميًا لدولته "عش ودع الآخرين يعيشون"، ووضع لها دستورًا مبدئيًا، موضحًا أنها دولة بلا أمن، ولا جيش أو ضرائب، وأنها ستكون أقلّ دولة من حيث القوانين، وينصّ دستورها كذلك على احترام الآخرين وآرائهم على اختلاف أصولهم وأعراقهم ودياناتهم، واحترام الملكية الخاصة وعدم المساس بها، وألا يكون للمواطن تاريخ نازي أو شيوعي أو تبنّى في الماضي أي فكر متطرّف، فضلاً عن أنه لم يعاقب أو صدرت ضده أحكام بشأن جرائم ارتكبها في الماضي، ومن تتوافر لديه الشروط ويرغب في التقدم للحصول على حق المواطنة والحياة على أرض الجمهورية الجديدة، بإمكانه ملء استمارة الطلب المتاحة على الموقع الخاص بالجمهورية الجديدة.

وبعد انتشار الخبر في مواقع التواصل الاجتماعي، تلقّى موقع ليبرلاند أكثر من 160 ألف طلب مواطنة في الأسبوع الأوّل، ومما يلاحظ في هذا الشأن أن كثيرًا ممن طلبوا الهجرة إلى ليبرلاند كانوا من الدول العربية، فالكثير من الشباب العربي تحدوه رغبة الهجرة إلى دول أخرى إما لتحسين ظروف العيش أو للحصول على فرص عمل مغرية في أوروبا، وأميركا الشمالية وفي الدوّل الآسيوية المتقدّمة.

ومما يجب التوقّف عنده، أن الإقبال العربي كان على دولة ما زالت في طور الإنشاء، مغمورة المعالم يسودها ضباب الأفق، جذبتهم فيها فكرة الحرّية والمواطنة والتعايش مع تركيبة سكانية شابة، تتطلّع لبناء وطنها بما ترتضيه دون أي تدخّل ودون أي خلافات جيلية، سياسية أو أيديولوجية.

يثير انتباه من تابع موضوع ليبرلاند هذا، تعليقات الشباب العربي على مواقع التواصل الاجتماعي ودواعي الهجرة، فبين من يحلم بأنّ أرض الحرّية ستعرف مجتمعًا متماسكًا ومتسقًا مع مبادئ الحرّية على جميع المستويات، ومن علقّ على ليبرلاند بأن وطننا لن يكون به جيش، كل المواطنين سيكون هدفهم البناء، ولن تكون هناك قوّات شرطة لبسط الأمن لأن كل شخص سيعرف ما له وما عليه، ولن تكون هناك ضرائب، فالضريبة الوحيدة هي أن تبني وطنك وهي واجب على كل مواطنة ومواطن.

ويضيف آخرون بأن شعار ليبرلاند مغرٍ، فأنت ستعيش بحرّية وتترك غيرك يتمتّع بها أيضًا، فهي فرصة للعيش بدولة قائمة على الحرّيات واحترام الاختلاف، وكذلك من لخّص رغبته في الهجرة إلى ليبرلاند في الهروب من جحيم الوطن العربي، فقسوة المجتمع، الفقر، عدم تكافؤ الفرص وغياب الاستحقاقية والعدالة كلّها عوامل تدفع للتفكير في الهجرة حتى نحو المجهول.

في هذا السياق، لم تعد الهجرة فقط وسيلة لتحسين ظروف العيش والبحث عن عمل، بل صارت هدفًا للشباب العربي الباحث عن مناخٍ أفضل للعيش تسوده الحرّية والمواطنة بعيدًا عن انتهاكات حقوق الإنسان، التهميش والظلم الاجتماعي، ولم تعد هذه الهجرة مرتبطة بالعودة للوطن الأم، خاصّة عند جيل الشباب الفار من رواسب سياسية وعادات اجتماعية مهلكة، فقد أصبحت سبيلًا نحو وطن جديد يكون بمثابة المستقرّ لا الممرّ، يستطيع المرء فيه تحقيق أحلامه ويساهم في إعماره ونهضته، كما يشارك في صياغة سياساته العامة وبرامجه الوطنية.

رغم أن ليبرلاند فكرة افتراضية، إلا أنها تحيلنا إلى مراجعة أحوال الدول العربية وحالة الإحباط التي يعيشها شبابها، فرغم كل الإصلاحات والتطلّعات المنشودة، ما زال الشباب يعتنق مذهب الهجرة كطريق نحو الفراديس، فالإصلاحات في العالم العربي شكلية تهتم بالمباني وتنسى المعاني وتجسّد منطق دول تهتم بالمظهر وتنسى المخبر، لا يشغلها إلا أن تقوم بالشيء المعمول به في دول أخرى، وهي بذلك تعتبر أنها أدرجت ضمن المقبولين، متناسية أن هذا المنطق يقتل طاقاتها الإبداعية ويغتال روحها الإصلاحية.

تُحاول الإدارة في الأوطان العربية، تسجيل النقاط بأهداف فارغة، متجاهلة أصل المشاكل غير مدركة غاية تحركاتها، فالعجز ليس في علاج المشكلة بل في القائمين على علاجها، وبدل الغوص في جوانب الإصلاح وفي عمقه، نتوه في الشكليات ونقوم بإجراءات "صنمية" مفرغة من كل محتوى، ونفكّر في الأداة أكثر من الغاية، وبذلك نفسد من حيث نريد أن نصلح، فتصير مؤسّسات التعليم لا تعلّم، ومؤسسات الصحة لا تداوي، ويصبح الأمن أمن تظلّم وليس أمن وطن، وتتحوّل أجهزة الإصلاح إلى مراكز تخريب، الأمر الذي يغيّر بوصلة البحث عن حلول إلى التكيّف مع المشكلة، ثم نقوم بالتنظير لفكرة التكيّف، وتنتج عن ذلك فوضى وانتهاكات ويصبح تدوير الظلم عدالة.

علاوة على ذلك، يزداد التنابذ الأيديولوجي بين فئات المجتمع، فذاك ليبرالي وهذا يساري والآخر محافظ، وهذا ما يجعل فكرة إنشاء دولة لا تقوم على هذه الصراعات الأيديولوجية المرهقة فكرة قوية، والتي تشغل الرأي العام أنه في غمار التسابق العلمي بين الدول، ومع غزارة معلوماتية متوفّرة بإمكانه الانتقال من المرحلة الأيديولوجية إلى المعرفية، فالشباب في عصرنا بما يملكه من حسّ نقدي وملكات تحليلية، قادر على رسم ملامح فردوس مجتمعي، يحلم به ويعمل على تحقيقه، بعيداً عن وعود جنّة الرأسمالية أو الاشتراكية التي تؤدّي به إلى الانحياز وتنسيه أهمية الإنجاز.

المساهمون