هي تلك الأمة العظيمة التي قدمت للبشرية الكثير والكثير، فيحق لهم كامل الاعتزاز بأنفسهم بصورة كبيرة . . تلك الأمة التي قدمت الفلاسفة والأدباء ، من قدمت شوبنهاور ونيتشه وكارل ماركس ويوهان غوته، تلك الأمة التي قدمت أساتذة الفن وعلماء الصناعة، من قدمت بيتهوفن ويوهان باخ وكارل بنز وجوتنبيرج، من قدمت أذكى العقول التي عرفتها البشرية روبيرت أنيشتاين، من قدمت أدولف هتلر وبسمارك وثعلب الصحراء رومل والبقية . . فسهل جدا أن تقدم نموذجا يُحتذى به في لعبة جلد منفوخ يركلها 11 شخصا مثل كرة القدم.
هي أمة لا تعرف المستحيل أبدا، شعارهم دائما هو أن ألمانيا ل ابد أن تكون فوق الجميع دائما . . يُزرع هذا الشعار في عقول صغارهم وفتيانهم، فنشأ لنا جيلا بعد جيل متقدما على الجميع في كل شيء، في الصناعة هم الرائدون وفي العلم هم الأساتذة والنابغون، وفي مجال الطب وعلومه، هم أصحاب العقول النيرة ومهوى جميع الضعفاء . . في الرياضة هم التاريخ العظيم والحاضر الزاهي والمستقبل الواضح المعالم والنموذج الراقي في كل شيء.
لو تحدثت عن حكايا التاريخ الرياضي لنطقت بروعة ألمانيا وأبنائها . . المنتخب هو المعيار الحقيقي والمنظور الأشمل لازدهار أي دولة رياضيا وهل مكانة أبنائها مرتفعة رياضيا أو لا، وهل خططها ومدرستها وثقافتها وكوادرها يسيرون بالشكل الصحيح أو لا . . عكس الأندية تماما، والذي من الممكن أن تنفق الأموال فقط بكثرة وتنجح أما هنا لا فالعمل والعمل والعمل وحده هو أساس النجاح.
فألمانيا في كتب التاريخ هي من أنجح إن لم تكن الأنجح على صعيد المنتخبات، فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن فترة الثلاثينيات الميلادية هي الفترة الوحيدة التي غابت فيها الكرة الألمانية عن الأمجاد، ودائما في كل العقود وإلى يومنا هذا إما أن تكون بطلة العالم أو وصيفة العالم، أي أنها لا تغيب عن المشهد الأخير أبدا.
يتساءل الكثير عن سر هذه الاستمرارية لكرة ألمانيا كل هذه الفترة، فالجواب ببساطة "لأنهم يعملون ويخططون ويحاسبون ولا شيء لديهم اسمه مستحيل" . . فالطفرة الهائلة في إنتاج المواهب في كرة ألمانيا في السنوات الأخيرة مشاهدة بشكل ملحوظ، وهي الأساس الرئيسي لسر هذا التفوق، حيث الملاعب الألمانية ممتلئة بالأسماء الشابة وليس فقط مجرد شباب وحسب، بل مواهب أثبتت كفاءتها بسرعة في ملاعب ألمانيا، ومن ثم الانضمام سريعا بعمر صغير للمنتخب الأول . . وهذا كله كان نتاج عمل طويل ومدروس وفق أسس معينة ونتائج مرجوة ومحاسبة المقصّر قبل كل شيء، فنتج لنا هذا التفوق السريع والنموذج المثالي لعمل أي اتحاد.
كل الحكاية أن ألمانيا تحركت وعملت كل ما بوسعها للنهوض السريع لكرتها . . مع نهاية التسعينيات بدا ملاحظا أن ألمانيا أصبح لديها شح كبير في إنتاج المواهب التي بإمكانها رفع ألمانيا في أكبر المحافل، فمنتخب المانشافت وصل معدل أعمار لاعبيه تقريبا إلى 32 سنة مع نهاية التسعينيات ولا بد من إيجاد حل وثورة لإنقاذ هكذا مشكلة.
فما كان من الاتحاد الألماني إلا أن يصدر أمرا كان تاريخيا ومفصليا، وما نشاهده الآن من تفوق هو نتاج لهكذا قرارات، فمع مطلع الألفية ألزم جميع الأندية بكافة درجاتها الأولية والسفلية "وهذا ليس موجود في كل دول أوروبا" أن يعملوا أكاديميات للناشئين وألزموهم على ذلك، وفق قوانين اقتصادية مريحة للكل، وألا يقل فيها عدد الألمان عن 12 ناشئا.
أصبح الألماني في كل بقعة في ألمانيا بإمكانه مزاولة كرة القدم في أكاديمية تصقله وتطوره، وتنمي كل مهاراته بالشكل المثالي والصحي، فصحيح أن مثل هذا القرار واجه صعوبات في البداية، لكن ثمرته واضحة الآن للجميع وما المواهب الألمانية الموجودة بكثرة إلا دليل وبرهان على ذلك، وما ثبات كرة ألمانيا ومنتخبها في كل محفل كبير إلا نتاج مثل هكذا فكر وعقلية وصبر على النجاح فتحية لهذا الشعب العظيم . . العظيم في كل شيء.
لمتابعة الكاتب
مجرد رأي