منتصر الزيات: الطلاب وقود كل ثورة

منتصر الزيات: الطلاب وقود كل ثورة

21 فبراير 2014
+ الخط -

 

 

منتصر الزيات، المحامي والناشط الإسلامي المصري، أحد أعضاء القيادة الطلابية للحركة الإسلامية في مصر في العصر الذهبي للحركة الطلابية المصرية في سبعينيات القرن الماضي، يتذكر، في اليوم العالمي للطالب، كيف أن الحركة الطلابية المصرية كانت شوكة في جنب كل سلطة منذ نشأة الجمهورية وحتى ثورة يناير، وها هي اليوم تثبت صموداً وبسالة في مقاومة الانقلاب على الشرعية منذ أحداث 30 يونيو 2013 وحتى الآن.

* كيف ومتى بدأ دور الحركة الطلابية في مصر لتكون قوة فاعلة في العمل الوطني؟


- الحركة الطلابية وُلدت كبيرة وفاعلة، وإذا كان الشباب بوجه عام مكمن القوة في المجتمع، فإن الحركة الطلابية هي المحرك لطاقات الحركة الوطنية في مصر منذ كانت الملكية والاحتلال. وتصفّح تاريخ النضال الوطني في مقاومة الاحتلال الإنكليزي لمصر يكشف عن عمق الحركة الطلابية وفاعليتها التي اعتمد عليها مصطفى كامل لتأسيس المقاومة، ومن بعده محمد فريد. وكانت الطليعة في ثورة 1919 وقدمت شهداء وضغطت من أجل إطلاق سعد ورفاقه وتناغمت مع الضباط الأحرار، واستعصت على عبد الناصر، وكانت صوت الشعب الرافض لهزيمة يونيو المهينة 67 والمطالب برفع سقف الحقوق والحريات العامة ودفعت السادات لانتصار 73، وكانت الشوكة التي رشقت في حلق مبارك فلم يقو طيلة حكمه على عقد لقاء واحد مع طلاب مصر، وها هم يثبتون كل يوم صموداً وبسالة في مقاومة الانقلاب منذ أحداث 30 يونيو 2013 وحتى الآن.


* ما تقييمك للدور الذي لعبته الحركات الطلابية منذ منتصف القرن الماضي وحتى الآن؟


- يمكنني القول إن الدور الذي لعبته الحركة الطلابية منذ منتصف القرن الماضي كان محورياً أساسياً. وكما أشرنا مثلا إلى الدور العظيم الذي لعبته إبان نكسة 67، فالقوى السياسية انكسرت وأذهلتها المفاجأة وتوابعها، في ذلك الوقت لم يجد المجتمع المصري سوى طلاب مصر يتدافعون من أجل رفض الهزيمة ورفض تمثيلية المحاكمات التي جرت للمتسببين في الهزيمة. وانطلقت التظاهرات التي أصرّت على الاحتجاج، حتى أجبروا عبد الناصر على إلغاء تلك الأحكام والإعلان عن تشكيل محاكمات عسكرية. ليس ذلك فحسب بل تعدّوا هذا وطالبوا بالحريات العامة وحرية الرأي والتعبير.

وبعد رحيل ناصر وقدوم السادات وإعلانه 1971 عاماً للحسم، كانت الحركة الطلابية قوة ضاغطة من أجل المضي في تهيئة الأمة من أجل استعادة زمام المبادأة. كما كانت الحركة الطلابية أيضاً جزءاً لا يتجزأ من انتفاضة الخبز في 17 و18 يناير 1977 عندما رفع السادات الدعم عن السلع التموينية. كان دور الحركة الطلابية وطنياً قومياً، لذلك تلاحموا مع قضية فلسطين، وكانت تظاهرات الطلاب معلماً هاماً في رفض الغزو الأميركي للعراق.


* كنتَ واحداً من قيادات الحركة الطلابية في السبعينيات، برأيك لماذا يطلقون على هذه المرحلة "العصر الذهبي للحركة الطلابية"؟


- لا أدّعي أنني كنت قيادياً، وإنما كنت واحداً من هذا الجيل، أهم ما يميز العصر الذهبي للحركة الطلابية هو توحّدها تحت قيادة واحدة. حاول السادات أن يفرّقنا، أن يرهبنا، أن يخوفنا، لكنه فشل في ذلك. فنحن، في "الجماعة الإسلامية" في ذلك الوقت، وهي الكيان الطلابي الذي كنا كطلاب إسلاميين نعمل تحت رايته في تلك المرحلة، وهي تختلف عن الجماعة الإسلامية المعروفة لدى الناس حالياً، تمسّكنا بثوابتنا وتلاحمت الجماعة الإسلامية الطلابية داخل الجامعة مع اتحاد الطلاب، فلم تكن هناك ثنائية في اتخاذ القرار. لم يكن هناك رأسان في قيادة الحركة الطلابية إنما رأس واحد، أذكر آخر معركة حضرتها عام 1978 عند محاولات السادات فرض لائحة طلابية تحكم سيطرة هيئة التدريس ومن ثم السلطة على نشاط الاتحاد، فاجتمعنا لمدة أسبوع تقريباً في المدينة الجامعية لجامعة عين شمس وتوحدنا وقاومنا ضغوط السادا،ت وكانت أقصى أماني السلطة في تلك الأثناء أن يكون رئيس اتحاد طلاب الجمهورية غير ملتح! ووافق الطلاب وتم انتخاب محمود طلعت "الدكش" رئيساً لاتحاد طلاب مصر وهو غير ملتح وكان متزوجاً من أخت منقّبة.

كانت احتجاجات الطلاب تتجاوز الأمور الحياة الجامعية إلى ما هو أبعد من هذا، إلى الحياة السياسية، ومقاومة فرعونية السادات بعد انتصارات 1973. كانت الحركة الطلابية هي حائط الصد القوي ضد هيمنة السادات وفرعونيته، قاومت الحركة الطلابية اتفاقيات كامب ديفيد وقاومت استقدامه لشاه إيران المطرود من شعبه وقاومت هيمنة السيدة حرمه على عمل الوزراء والوزارات، وقاومت ترسانة القوانين سيئة السمعة وقاومت قانون الطوارئ، فكان صوت الحركة الطلابية عالياً قوياً تحت قيادة واحدة، لذلك كان صوتها مؤثراً.

* ما هي جوانب الصدام بين الطلاب والرئيس أنور السادات في السبيعينيات؟

- كان السادات يجد هوى في نفسه ليكون كبير العائلة المصرية، كما كان يحلو له أن يردد وأن يسمع من جوقة المنافقين له، وفي الوقت نفسه كان يحطم تقاليد العائلة المصرية. كان صوت الطلاب عالياً في فضح تناقضاته، استقدم المطرب خوليو ليقيم حفلات غنائية والتقطت الصور له وهو يقبل "نساء" في بلاط الحكم، وعارض الطلاب نفوذ "حرمه" في سن القوانين وتشريعات الأحوال الشخصية، وعارض الطلاب تشريعاته المكممة للأفواه، وعلاقاته بأميركا وإسرائيل وعقده اتفاقيات كامب ديفيد، وطبعاً محاولاته السيطرة على النشاط الطلابي.


* إذا تحدثنا عن ثورة الخامس والعشرين من يناير، هل كانت الحركات الطلابية شريكاً أساسياً فيها؟

- نظلم الحركة الطلابية عندما نصفها بشريك في ثورة 25 يناير، الحركة الطلابية كانت في الطليعة والقيادة الحقيقية، الحركة الطلابية كانت أكثر من كونها شريكاً أساسياً بكثير.


* لم تحصل الجامعات المصرية على الحد الأدنى من استقلالها حتى الآن رغم التاريخ المشرّف للنضال الطلابي، لماذا؟

- ليس السبب في ذلك الطلاب؛ لا، سنظلمهم إذا قلنا ذلك أو أومأنا إليه، للأسف الأساتذة هم السبب. طموح الأساتذة في ركوب السلطة ومهادنتها هو السبب. في السبعينيات كان هناك عدد وافر من الأساتذة يراعون التقاليد، كنا نسمع في قاعة المحاضرة انتقادات لاذعة من الأساتذة للسلطة، نجحت السلطة في استمالة أصحاب النفوس الضعيفة إلى صفوفها، فاللائحة الطلابية عام 1978 وجدت معارضة من أساتذة أعضاء في هيئة التدريس مثلما وجدت معارضة من الطلاب، أما اليوم فنجد منافقين يطالبون بطرد الطلاب المشاغبين، ويبررون بل ويطالبون بدخول الشرطة داخل الحرم الجامعي لتضرب الطلاب وتقتلهم وتهين بناتنا الطالبات وتعتقلهن.


* بعد 30 يونيو.. كيف ترى الحركات الطلابية؟ وكيف تقيّم دورها؟

- سوف يقف التاريخ ملياً عند الدور الذي لعبته الحركة الطلابية في مواجهة الانقلاب على الشرعية والاعتداء على الدستور، فـ"شهداء" الحركة الطلابية كتبوا بالدم أروع سطور الحرية ومقاومة الاستبداد والمطالبة بحق الأمة في احترام اختياراتها عبر الاستحقاقات الانتخابية. ودور الحركة الطلابية ما بعد 30 يونيو تجاوز "النخبة الفاسدة" والأحزاب الصورية والزعامات الهشّة، وقدمت الحركة الطلابية شهداء داخل الحرم الجامعي. اقتحم طلاب حصون العسكر حول ميدان التحرير ليثبتوا قدرة الطلاب على الصمود ولو كان رمزياً، وامتلأت السجون بزعامات حقيقية لكنها "طلابية" لم تردعهم أحكام قاسية أو تؤثر في أنصارهم حملات إعلامية موجهة، سقط "كبار" أو من ظنناهم كباراً، سقطت أسماء وشخصيات في أتون الحرب الضروس ومعركة الحرية واحترام الدستور والشرعية وبقيت الحركة الطلابية تواصل مسيرتها متثاقلة لكنها منتظمة.


* كيف ترى الفارق بين الحركة الطلابية الآن وفي السبعينيات؟


- لكي أكون صريحاً معك، جيل السبعينيات قليلاً ما يتكرر بإبداعاته وقوته ورغبته في استعادة الهوية ممن كانوا يشوشون عليها بقيم بديلة من الشرق أو من الغرب، جيلنا كانت لديه رغبة في استعادة النسق الحضاري للإسلام داخل الجامعات المصرية مقدمةً لاستعادتها في المجتمع المصري الذي تعرض لهزات كثيرة. الحركة الطلابية الآن تستعلي على جراحاتها، تستعلي على المعوقات التي تعترض طريقها، تواجه معوقات داخلية وخارجية، وهذا يحسب لها بالتأكيد، وعند التقويم أو التقدير الحقيقي سوف يبرز انتصارها إن شاء الله.
ميزة الحركة الطلابية في السبعينيات تمتعها "بالانسجام" الفكري والسياسي وأنها انبثقت من واقع التحدي لكل ما يحيط بها، واجهت المعوقات الداخلية المتمثلة في روافد فكرية ترتبط بامتدادات غريبة على المجتمع المصري، ثم واجهت معوقات السلطة وانتصرت عليها.

الحركة الطلابية في السبعينيات قدّمت شهداء، فلم أزل أذكر الشاب "عنتر" الذي قتلته الشرطة في أسيوط في مظاهرات الطلبة واحتجاجاتهم على استضافة السادات شاه إيران رضا بهلوي، غير أن الحركة الطلابية الآن تتميز بغزارة الدم وتنوع الشهداء. الحركة الطلابية الآن تواجه تحديات جساماً، من الشرطة والعسكر وأساتذة هيئة التدريس والإدارة، تواجه تحديات لائحية تشريعية ليس لها مثيل من قبل، وتواجه تحديات من داخلها تتمثل في الخونة من الطلاب الذين انحازوا للعسكر على حساب مضامين أخرى كالحرية والزمالة.


* كيف ترد على اتهامات البعض للحركات الطلابية في الوقت الحالي بأنها عبارة عن جماعات إرهابية وعصابات مشاغبة؟

- هذا إعلام العار والدم الذي ينتفش ويتضخم بأموال مافيا تعيث في الأرض فساداً، هذه دعاية عرفناها في كل المحطات التي تعرضت فيه الحقوق والحريات العامة لانتقاص وعدوان، قالها في الخمسينيات والستينيات رُمم اندثروا في مزبلة التاريخ، وكتبها إعلاميون "بمانشيتات" عريضة تنكّروا لها في السبعينيات. تكررت أيضاً في الثمانينيات وعدل عنها أصحابها في الألفية، ليس لدينا وقت لنقف أمام هذه الأباطيل إذ لابد من أن نتجاوزها ونعبر الأزمة بصمود الحركة الطلابية في مصر.


* ما رأيك في مادة "مكافحة الارهاب" التي أضيفت إلى قانون تنظيم الجامعات وأقرّها الرئيس المؤقت؟

- المقصود بهذه المادة تخويف الطلاب وكسر صمودهم، وهو مما لم تعرفه الحياة الجامعية على الإطلاق منذ عصر الملكية والاحتلال الانكليزي لمصر وحتى الآن.


* أن يكون لرئيس الجامعة سلطة إصدار قرار بالفصل النهائي للطلاب، بصفتك محامياً كيف ترى هذا؟ وهل هو مخالف دستورياً؟

- هذا أمر مخالف لأي دستور ومخالف للقوانين ومخالف للائحة الطلابية ومناقض لحق التقاضي واللجوء لخيار مجالس التأديب المقررة قانوناً، وتتصادم مع حق الطلاب في التظلم من قراراتها قضائياً، هذه فوبيا تشريعية، هذه تشريعات سيئة السمعة.

 

 

المساهمون