مفاتيح إسرائيل تفتتح معركة الرئاسة الأميركية

14 نوفمبر 2014

حاخامات ناطوري كارتا يتظاهرون ضد الدعم الأميركي لإسرائيل(20يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

قبل أيام، بادر بعض كبار الأثرياء اليهود الأميركيين، المعروفين بتسخير ثرواتهم لخدمة إسرائيل، إلى التحرك المبكر لافتتاح معركة الرئاسة الأميركية، قبل سنتين من موعدها، على قاعدة جعل تبني إسرائيل وسياساتها التوسعية العمود الفقري للحملة الانتخابية. وتمهيداً لهذه المعركة، جرى تشكيل هيئة لتنظيم الحملة تحت اسم "المجلس الأميركي الإسرائيلي" في الولايات المتحدة. وكانت باكورة نشاطاته، قبل أيام، في تنظيم اجتماع موسع لمؤيدي إسرائيل، بحضور الثريين، حاييم صبان، المنتج السينمائي في هوليوود الذي جلس على يسار رئيس المجلس، شون إيفنهايم وشالدون أدلسون، صاحب عدد من الكازينوات في أميركا والخارج والذي جلس على يمينه. وقد أوضحا، من البداية، أنه فيما يتعلق الأمر بإسرائيل "ليس هناك يمين أو يسار. هناك موقف واحد بالإجماع".

الأول، صبان مؤيد عادة للديمقراطيين، والثاني، أدلسون يدعم المرشحين الجمهوريين. الموقف من إسرائيل هو المقياس المحوري والأساسي لتمويل مرشحيهما. وقد تعهدا بتقديم مئات ملايين الدولارات، لدعم حملة المرشح الذي يلتزم بمواقف وسياسات متشددة في الشرق الأوسط، وبما يخدم إسرائيل وسياساتها، ويعطي الأولوية لعلاقات أميركية – إسرائيلية، متينة أكثر مما هي عليه.

أعلن صبان احتضانه ترشيح هيلاري كلينتون التي "ستكون رئيسة رائعة، وقادرة على تعزيز العلاقات بشكل كبير مع إسرائيل". الآخر أدلسون لا يعلن عن مرشحه عادة، إلا بعد أن يمتحن مدى ولائه لإسرائيل، وهو يشترط، عادة، أن يكون الولاء على طريقته التي تنكر وجود الشعب الفلسطيني أصلاً. يجري مقابلات مع المرشحين لفحصهم. وبطريقة صار معها المال السياسي وسيلة لتعميق الانحطاط في العملية الانتخابية.

وفي هذا السياق، لم يكتف المشاركون في الجلسة باستعراض اللجنة الانتخابية وشروطها، بل تطرقوا، أيضاً، إلى مواقف الإعلام الأميركي من إسرائيل، وأخذوا عليه "انحيازه"(!) ضد إسرائيل"، ما عدا شبكة فوكس نيوز وجريدة وول ستريت جورنال. وأعرب كلاهما عن ندمه لأنه لم يشتر جريدة واشنطن بوست التي باعها صاحبها، أخيراً، إلى رئيس شركة أمازون الشهيرة. كما تبادلا الحديث حول إمكانية المحاولة لشراء "نيويورك تايمز"، مع أن صاحبها سبق، وقال إنها ليست للبيع. نموذج عن تفكير أساطين المال اليهودي لشراء ليس فقط الانتخابات، بل، أيضاً، أهم وسائل الإعلام لإخراس الأصوات الناقدة لإسرائيل على الساحة الأميركية، وهي أصواتٌ لا يستهان بها، ومنها ما هو يهودي.

هذه الإمكانات المالية الهائلة، المتزاوجة مع أيديولوجيا تقوم على عصبية شوفينية عمياء، زاد من تمكينها، أخيراً، قرار المحكمة الفيدرالية العليا في الولايات المتحدة الذي أجاز التبرع والتمويل الانتخابي بغير حدود؛ بزعم أن ذلك جزء من حرية التعبير التي يكفلها الدستور. شطط خطير من شأنه ترسيخ الفساد السياسي، وتسهيل عملية ارتهان المرشح، لقاء توفير الدعم المالي المفتوح له، والذي يشكل عصب الحملة الانتخابية، لناحية تأمين نفقاتها، وخصوصاً إعلاناتها الانتخابية. فهذا القرار شكل الغطاء لتوسيع المجال أمام هذه القوى اليهودية المنظمة والممولة لخطف الانتخابات وتوظيفها في تمكين إسرائيل من تحقيق أغراضها التوسعية؛ والتي يراهن بعضها، مثل إدلسون، على إيصال مرشح جمهوري إلى البيت الأبيض عام 2016. والأفضل لديه أن يكون من صقور الجمهوريين الذين يرون إسرائيل بعدساته.

وقد ترافق هذا التحرك الانتخابي المبكر من مفاتيح إسرائيل النافذة بقوة المال، مع هجمة إعلامية سياسية، جاءت ترجمتها على شكل كتابات في الصحف الأميركية، تتحدث بدونية عن الشعب الفلسطيني وطموحاته؛ مثل مقالة الوزير الإسرائيلي، بانيت، في "نيويورك تايمز"، والتي يستهزئ فيها بفكرة الدولة الفلسطينية "فليسمّونها الإمبراطورية الفلسطينية، إذا شاءوا"، كما قال، وبما يعني أنها لن ترى النور. كما ترافق ذلك مع شيء من التحريض السياسي على الوزير جون كيري، من وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعالون. وقد اكتفت الإدارة برفض لقاء كبار به خلال وجوده، أخيراً، في واشنطن، كما أطلق توصيفات تحقير على نتنياهو، لكن ذلك بقي في حدود الكلام.

ولم يكن من باب المصادفة أن تأتي هذه الهجمة في أعقاب اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية، وتصويت مجلس العموم البريطاني على قرار يدعو الحكومة البريطانية للقيام بخطوة مماثلة. فمثل هذا التطور، على رمزيته، يؤشر إلى بدايات استشعار دولي بضرورة ترجمة التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وقضيته الوطنية، كما أنه يشكل علامات تعكس حالة جديدة، تشي بأن المجتمع الدولي قد "طفح الكيل" لديه من الصلف الإسرائيلي.

في ظل هذا التغيير، ولو البسيط، في وجهة الرياح، نشهد كل هذه التحركات اليهودية الإسرائيلية المتناسقة والمكملة لبعضها، بغية قمع إرهاصات الاعتراف الدولي، وخصوصاً الأوروبي بالدولة الفلسطينية، لمنع انتشارها، وخوفاً من وصول موجتها يوماً ما إلى الشواطئ الأميركية.

كل هذه الأوركسترا العازفة على إيقاعات التمدد الاستيطاني الإسرائيلي، والمعروف أن أدلسون، بالذات، يقوم بتمويل جزء كبير من عملية الاستيطان، تهدف، في النهاية، إلى ضمان استمرار زحف هذا التمدد بحماية أميركية، خصوصاً على القدس، لتذويب طابعها الفلسطيني العربي، بحيث تتلاشى مركزيتها، وبما يقود إلى نسف فكرة الدولة الفلسطينية التي تصبح متآكلة مع الوقت، بحكم ابتلاع الاستيطان عاصمتها القدس الشرقية. وبذلك، يتم وضع العالم أمام أمر واقع وراسخ على الأرض، ينتهي معه البحث عن السلام الذي لا يوازي لدى إسرائيل سوى الاستسلام.

في ضوء ذلك، بات يترتب على العرب استدراك الأمر، قبل فوات الأوان، والإسراع إلى التحرك الكفيل بوقف هذا الزحف المزدوج، اليهودي في الخارج والاستيطاني في الداخل الفلسطيني. صحيح أن الوضع العربي منهمك بأوضاعه الداخلية، المهددة بشتى الأخطار. لكن العودة، ولو بالحد الأدنى، إلى القضية المركزية، قد يساهم في التغلب على التحديات الذاتية التي يواجهها. وإذا كان المطلوب من العرب التحرك، فإن المطلوب من الساحة الفلسطينية الإسراع في ترميم البيت الداخلي الذي طال انقسامه وحسم موضوع المرجعية، من خلال إعادة اللحمة، وتعزيز الوحدة الوطنية مرة، وإلى غير رجعة، خصوصاً وأن القيادة الفلسطينية تتحدث، الآن، عن عزمها على طرح موضوع الاعتراف أمام مجلس الأمن، وباقي المنظمات الفرعية التابعة للأمم المتحدة. خطوة طال انتظارها، وليس في الأفق بديل عنها.