مع "عودة الوعي"

مع "عودة الوعي"

23 اغسطس 2015
+ الخط -
أبحرت اليوم في كتاب عودة الوعي للراحل توفيق الحكيم، يقص علينا الفترة التاريخية لمصر من 1952 حتى 1972، فترة سقوط عرش الملك فاروق وتولي اللواء محمد نحيب حكم مصر، وعزله عن طريق عبدالناصر ورفاقه. لم يكن الحكيم يريد طبع الكتاب أو نشره، إﻻ أن صفحاته كان يدونها لشخصه، وتم نشر صفحات منه من دون علمه في مجلة فرنسية. ولذلك، قرر طبعه بعد سرقته، ونشر صفحاته المكتوبة بالآلة الكاتبة. وهذا مهم جداً، لكي نتعلم الدروس المستفادة من هذا الكتاب، ونقرأ التاريخ بشيء من الحيادية، وبعيدا عن التاريخ الموجه والمضلل.
ذكر الكتاب كيف استطاعت مجموعة من الشباب الضباط خلع الملك، بعد أن استطاعوا إقناع تمثال الثورة، محمد نجيب، والذي شبهوه "بجماليون"، لكن مع الفارق أن بجماليون حطم تمثاله الذي بناه لنفسه في مسرحية توفيق الحكيم، إﻻ أنهم من جعلوه قائدا لهم، لكن هذا التمثال الذي صنعوه فقط لخداع الشعب والعامة من الناس بأنه يقودهم قائد برتبه كبيرة (لواء)، وكيف لهذا القائد الذي حاول أن ينهي دور الجيش في خلع الملك فقط، ويعود إلى مهمته الرئيسية لحماية الدولة والشعب من أي خطر خارجي، لكن هؤﻻء الضباط أوقفوا حلم الضابط الكبير، لأنه ليس دوره، وما هو إﻻ تمثال صنعوه هم، وهم من هدموه في التوقيت الذي أرادوه، على الرغم من نصح جميع من حول اللواء محمد نجيب التخلص من هؤﻻء الشباب، إﻻ أنهم تغدوا به، قبل أن يتعشي بهم، وضربوا بالدستور والديمقراطية عرض الحائط، ولم يكن هناك صوت يعلو صوتهم، وفرح بهم الجميع، أنهم حرروهم من الملك، إﻻ أنهم عاشوا في سجنهم.
وكيف لهذه الثورة، بقيادتها الشبابية التي ليس لها تأثير في الشارع، سوى اﻻنبهار بما قام به الشباب، وهناك أحزاب قوية، وفيها رجال سياسية أقوياء، فما كان من القائمين على الثورة إﻻ إقامة محاكم ثورية، وحلت الأحزاب القوية، وتمت تعرية رجالها أمام الرأي العام لإضعافهم، وألغت الألقاب، باشا، أفندينا، صاحب المقام. وأظهر توفيق الحكيم نقده هذه الألقاب.
وأضعفت الثورة كل ما عدا أصحابها من رجال سياسية وأحزاب، وتفتت الجميع إﻻ هؤﻻء الشباب، وأوضح الحكيم كيف، حتى الكتاب والمثقفون، لم يهمهم ديمقراطية وﻻ دستور في ذلك التوقيت، إﻻ اﻻنبهار بما فعله هؤﻻء الشباب، لكنه عاد" يقول، وكيف كنا نسير خلف هذه الثورة بدون وعي"...، فلم يرد القائمون عليها سلطة أعلى من سلطتهم، وﻻ إرادة فوق إرادتهم في البلد. وتم تغيير الجميع كما يشاءون، من دون معارضة، لأن الجميع يخشى اﻻتهام والشكوى، فخاف الرئيس من مرؤوسيه، فزالت هيبته. وكل هذا لم يكن، من وجهة نظر توفيق الحكيم، خطيراً، مقارنة بفترة الملك فاروق من حزبية وظلم اجتماعي ومساؤى أخرى.
بدأ جمال عبد الناصر يحكم الحكم المطلق، حيث بدأ يتسلل إلى قلوب الشعب. ويكتب الحكيم "بدأ الأسوار الحديد دون وعي منا نتيجة حبه، وأصبح يحكم، واعتاد الحكم والتفرد بالقرارات، ولم نكن ندرك خطورة ذلك، لأننا سرنا خلف عواطفنا، ولم نفكر بعقولنا. ما نتيجة ذلك. وكان يعتلي المنصة، وكان يشعرنا بالفخر بأننا شعب يحكمنا هو، وكم كانت الدول تظهر في حديثه وكأنها أقزام من حولنا، ويحدثنا عن امتلاكنا قنبلة ذرية وليشرب من البحر من يعارضنا. ويستنكر الحكيم على نفسه، كيف ينساق إلى هؤﻻء المهللين والمكبرين، وهو من أهل الفكر والرأي، وفي كهولته، لهذا التكبير والتهليل دون تفكير وﻻ وعي.
وأصبح عبد الناصر الرئيس المعبود، ولم يعد صوت يجرؤ علي نقده، أو توجيه رأي مخالف لفكره أو لعقيدته، مصر بصحفها ومفكريها وكتابها. أصبح الجميع في خندق المعبود، وأصبح في درجة قداسة أكبر من الأنبياء والرسل، على حد وصف توفيق الحكيم الذي يكتب: جعلتنا أجهزة الدعاية، بأغنياتها وطبلها ومزمارها، وكأننا دولة صناعية كبرى، ودولة تشهد أكبر عملية إصلاح زراعي، نمتلك القوى التي نستطيع أن نصبح بها أكبر قوة في الشرق الأوسط. وكان اﻻتحاد اﻻشتراكي يحشد الفلاحين وأنصاره، ويوزع عليهم الهتافات في أوراق مطبوعة "ناصر ..ناصر ..يحيا عبدالناصر. فليحيا قائد الثورة ...القائد الزعيم".
ينهي توفيق الحكيم كتابه بكوارث حرب اليمن وحرب 1967، ويستعجب من نشر كل القوات بطريقة استعراضية، المدرب منها وغير المدرب، والذي انتهى بهزيمة ساحقة، دمر جيشنا فيها. وفي أغلب صفحات كتابه، كان الحكيم يصر على ذكر أنه كان يحب عبدالناصر بقلبه، لكنه فقد وعيه.
66021855-44C5-450C-9F01-F47A1D5BB2BA
66021855-44C5-450C-9F01-F47A1D5BB2BA
عبد الرحيم ثابت المازني (مصر)
عبد الرحيم ثابت المازني (مصر)