معركة للحدّ من انتشار السلاح الأميركي

معركة للحدّ من انتشار السلاح الأميركي

21 يناير 2016
لا بدّ من إخضاع المشترين إلى عمليات تدقيق (الأناضول)
+ الخط -


يأتي تنظيم اقتناء الأسلحة في مقدّمة أولويات الحزب الديمقراطي الانتخابية، بحسب خطاب الرئيس الأميركي أخيراً. بالتزامن، تعمل هيئات مستقلة لمواجهة قوّة لوبي السلاح في البلاد.

تعرف المعركة من أجل تنظيم اقتناء الأسلحة النارية وانتشارها في الولايات المتحدة، منعطفاً جديداً بعد حوادث وتطوّرات عدّة شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة. ولعل آخرها وأبرزها قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما، إدخال إجراءات تنفيذية جديدة بغية تشديد القيود على اقتناء الأسلحة النارية وانتشارها. بذلك يتفادى التصويت على تلك الإجراءات في قانون من المتوقّع أن يواجه فشلاً جديداً، مثلما حصل في عام 2013. يُذكر أن تمرير أي قانون بحاجة إلى تأييد الكونغرس بحجرتيه، إلا أنه في قبضة الجمهوريين المعارضين في غالبيتهم لخطوات من هذا النوع. وهم أيضاً غير مستعدين للمساومة ولا لدعم أي تشريعات يقترحها أوباما وفئات واسعة من الحزب الديمقراطي، يقضي بعضها بإخضاع المشترين إلى عمليات تدقيق وفحص لخلفياتهم الصحية النفسية والجنائية وتنظيم أكبر لمسألة بيع السلاح.

خطوة الرئيس أوباما مهمة على المستوى السياسي، إلا أنه لا بدّ من التنويه بالمؤسسات المستقلة والجمعيات المؤيدة للحد من انتشار السلاح، والتي بدأت تعمل بشكل مكثف في السنوات الأخيرة وبطرق جديدة تظهر نفعها. وقد بدأ المعارضون للوبي السلاح ولـ "اتحاد البنادق القومي" (أن آر أيه) خصوصاً، الذي يصل عدد أعضائه إلى نحو خمسة ملايين أميركي، باتخاذ خطوات مماثلة لتلك التي يتّخذها لوبي السلاح، بما في ذلك تخصيص التمويل للدعايات وتنظيم نقاشات ومقابلات تلفزيونية وتجنيد المشاهير من أجل دعم تنظيم انتشار السلاح والحدّ منه.

منذ عقود، تناشد منظمات غير حكومية المعنيين الحد من انتشار السلاح عبر تشديد القيود على اقتنائه، إلا أن فعاليتها بقيت محدودة، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن اتحاد البنادق يعود إلى عام 1871. اليوم، ليس للاتحاد أي علاقة مباشرة بالهدف الذي تأسس لأجله. وهو كان قد استحدث بعد انتهاء الحرب الأهلية الأميركية، بهدف تدريب المواطنين على الرماية واستخدام السلاح بصورة صحيحة. لكن تغييراً جذرياً طرأ على سياسته، ليصبح في منتصف سبعينيات القرن الماضي اتحاداً يروّج لاقتناء الأسلحة ويلعب على وتر مخاوف الأميركيين، إذ يعمل على إقناعهم بضرورة اقتناء السلاح للحماية الذاتية وللدفاع عن النفس. كذلك، أصبح في منتصف التسعينيات "قوة سياسية" تدعم بالملايين هذا المرشح أو ذاك، وتنمّي النعرات ومشاعر الخوف عند مجتمع الأكثرية، بما فيها ربط مسألة السلاح وحيازته بأسطورة تأسيس الولايات المتحدة. كذلك، عملت على إخراج نصّ الدستور الأميركي على الحق في اقتناء السلاح من سياقه التاريخي، والتعامل معه كحق مطلق من دون أي تحفظات، بالإضافة إلى إبراز الفردية  بين أبناء المجتمع والتعامل مع مسألة اقتناء السلاح كضرورة لحماية الذات حتى ضد الحكومة الفدرالية. تُضاف إلى ذلك إثارة المخاوف، عبر الترويج لأعداء داخليين وخارجيين.

لكن هذه الجهود غير مجدية، إن لم تجد التمويل الكافي لمواجهة السلطة ولدعم حملات مرشحين كثيرين، بحسب ما يشير خبراء في هذا المجال. وثمّة مؤشرات عديدة بما فيها استفتاءات أعدتها منظمات مستقلة أو وسائل إعلامية، تدلّ على أن أميركيين كثيرين يشعرون بالتعب من "وباء انتشار السلاح" ومعدّلات القتل والموت الناتجة عنه. سنوياً، يسجَّل مقتل أكثر من 12 ألف أميركي، بحسب ما يفيد مكتب التحقيقات الفدرالي. ويتوقع خبراء في هذا المجال أن تكون هذه الأرقام أدنى مما هي في الواقع، إذ تمتنع بعض ولايات في البلاد عن تسليم إحصاءات من هذا القبيل إلى المكاتب الفدرالية المختصة.

وبدأت مساعي منظمات مختلفة مناهضة لانتشار السلاح تسجّل نجاحات في هذا المجال، إذ راحت تشجّع السياسيين على سنّ قوانين تفرض التأكد من خلفية مشتري السلاح وتنظيم قطاع بيع الأسلحة في تلك الولايات ومن بينها نيويورك وكولورادو وميريلاند. أيضاً، ساعد ظهور قوة جديدة على أرض المعركة في تحقيق مكاسب. والقوة هي هؤلاء الأغنياء الذين خصصوا جزءاً من ملايينهم في سبيل محاربة آفة السلاح، فسجّل تغيير في الرأي العام وتأثير على مجرى هذا المرشّح أو ذاك ووضعت مسألة الحد من انتشار السلاح على سلم أولويات البرنامج الانتخابية. ولعلّ أبرز هؤلاء، هو الملياردير مايكل بلومبرغ الذي شغل منصب عمدة مدينة نيويورك في السابق. وبلومبرغ واحد من هؤلاء الذين أعلنوا في العامين الأخيرين "حرباً" على وباء السلاح، وراحوا يتبرعون بعشرات ملايين الدولارات لمؤسسات أميركية عديدة تعمل في هذا المجال. على سبيل المثال، خصّصت منظمة "كل مدينة من أجل الحماية من السلاح" العام الماضي 35 مليون دولار أميركي، جاء جزء مهم منها من صندوق بلومبرغ.

ولا تعمل هذه المنظمة فقط على تمويل دعايات انتخابية، بل أيضاً دعايات إعلانية يظهر فيها مشاهير من مجالات عدة، بما فيها عالم الرياضة وخصوصاً كرة السلة. ويروّج هؤلاء ضد العنف، وعنف السلاح تحديداً. وتعد هذه المجموعة حديثة السنّ، إذ تأسست في عام 2014، على خلفية جريمة قتل جماعية في نهاية عام 2012 راح ضحيتها 26 شخصاً أكثرهم من الأطفال. وبحسب المنظمة، فإن عدد أعضائها تخطى ثلاثة ملايين شخص من جميع شرائح المجتمع الأميركي. ويحاول داعمو الحد من انتشار السلاح تشجيع المدن على التصويت في استفتاءات حول مسألة السلاح، بشكل مستقل في كل مدينة، تأتي موازية للتصويت في الانتخابات العامة لتلك المدينة أو انتخابات الكونغرس.

وعلى الرغم من النجاحات التي بدأ يحققها اللوبي المطالب بالحد من انتشار السلاح، إلا أن لوبي السلاح ما زال صاحب اليد الطولى، بحسب خبراء في هذا المجال يشيرون إلى سنّ عشرات القوانين في الولايات المختلفة تسهل عمليات اقتناء السلاح. أما المعارضون فقد سجّلوا نجاحات في تسع ولايات فقط، إلا أنها هذه النجاحات المتواضعة آخذة بالتمدّد وإن ببطء.

اقرأ أيضاً: وباء السلاح في أميركا