مصر والمرض النفسي

03 فبراير 2015
+ الخط -

قبل 40 عاماً، وأنا طالب في الفرقة الثانية في كلية الطب، كان الدكتور أحمد عكاشة يحاضرنا في علم النفس، وتحدث عن مرض يشعر فيه المريض بالاضطهاد، وأن العالم كله يحاربه، وأنه يسمع أصواتاً ويرى أموراً تؤيد ذلك، وأن هناك كائنات فضائية تراقبه. وللأسف، لاختياري مجالاً بعيداً عن علم النفس، نسيت الاسم العلمي لذلك المرض.
تذكرت ذلك الآن، وأنا أرى النظام الحاكم في مصر وإعلامه، يحاول تسويق وترويج الفكرة نفسها بالنسبة للوطن كله، في محاولة غبية لستر الفشل الذي يلاحقه منذ عامين، فلم يستطع حل مشكلة واحدة، سواء على مستوى المواطن أو الوطن. ويدعي أن العالم كله يحارب مصر، وأن مصر مضطهدة، ومخابرات العالم، بشرقه وغربه، تسعى للانقضاض عليها و...و...إلخ. ولا أدري لماذا العالم كله يخشى مصر (أتمنى ذلك فعلاً) ولكن، لا يوجد سبب حقيقي لذلك.

عندما كانت مصر في أوج نهضتها، في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي، كان كل ما يقوله النظام، آنذاك، أن أميركا تحارب مصر، وتعرقل مسيرتها، أما اليوم فالنظام يدعي أن العالم كله يحاربه. أميركا وأوروبا وأفريقيا (سد النهضة)  وآسيا...إلخ. ما هذا؟ وإذا كان الأمر، كما تدعون، فلماذا يحاربوننا سراً؟ ما الذي يخشونه؟ ومن؟.
يصلح ترويج هذا الفكر المريض على مستوى المعارضة الداخلية، والنظام لا يقصر أبدا في ذلك، فكل من يعارضه خائن وعميل، ولا يحب مصر، ولا يحترم خير أجناد الأرض، إلى آخر هذه الأسطوانة التي لا تنتهي. ويجدون، بالطبع، من يصدق ويصفق، أما على المستوى الدولي فلن تجدوا من يصدقكم، ولا يمكن تسويق هذه الأفكار المريضة، فدول العالم ليست تابعة للنظام الحاكم، لتوافق على ما يقرره، وتؤيد ما يتخذه من قرارات، فمن حقها أن ترفض قراراً حكومياً، باعتبار المعارضة إرهاباً، ومن حقها أن تعتبر مقاومة المحتل في فلسطين حقاً شرعياً لأبنائه، ومن حقها أن ترفض، ولو إنسانيا، قتل النظام مئات من أبنائه تحت حجج واهية.

أما العجب، كل العجب، أن النظام، الذي يدعي أن العالم كله يحاربه، يدعي في الوقت نفسه أنه يحارب الإرهاب، نيابة عن العالم، أي أنه يحارب الإرهاب نيابة عن العالم الذي يحاربه بالإرهاب!

أي مرض هذا، يا أستاذنا عكاشة، وهل هو مرض واحد، أم أنه "سندروم" لا شفاء منه؟

       


795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)