مصر: الأنشطة الصيفية لا تعترف بمحدودي الدخل

مصر: الأنشطة الصيفية لا تعترف بمحدودي الدخل

05 اغسطس 2017
في مصر الأنشطة الصيفية المدرسية حبر على ورق(Getty)
+ الخط -
 

في طابور مزدحم وقفت إحدى الأمهات ومعها ورقة تحمل رقم 417، لا تضمن هل سيأتي دورها أم سيغلق باب الحجز في الأنشطة الصيفية قبل الوصول لهذا الرقم، وكانت مكتبة مصر العامة قد أعلنت وحددت مسبقا إتاحة الاشتراك في الساعات الأولى من هذا اليوم فقط، ونظرا لمحدودية الأماكن يتزاحم الأعضاء رغبة في ملء فراغ الإجازة ولانخفاض تكاليف الاشتراك مقارنة بأي مكان آخر.


ارتفاع تكاليف الأنشطة

مع نهاية كل عام دراسي يدور في أذهان الآباء والأمهات تساؤلات كثيرة حول كيفية قضاء الأطفال للأجازة الصيفية وكيفية استغلالها في صقل وتنمية مهاراتهم أو تزويدهم بمهارات جديدة وممارسة هوايات حرموا منها طول العام الدراسي، وتبدأ رحلة البحث عن مراكز ونواد صيفية تحتضن أبناءهم خلال تلك الفترة، إلا أن ارتفاع أسعار اشتراكات هذه الأنشطة المبالغ فيها مع ارتفاع تكاليف المعيشة ووجود أولويات للإنفاق حالت دون إتاحة الفرصة أمام محدودي الدخل فلا يجدون غير الشارع بديلا لتفريغ طاقات أبنائهم أو الجلوس أمام التلفاز والألعاب الإلكترونية، وأصبحت هذه الأنشطة حكرا على طبقات وسكان مناطق بعينها وخاصة أن أقل اشتراك فيها يبدأ من الألف جنيه مصري للطفل الواحد.

وفي ظل الوضع الاقتصادي والعجز عن تأمين مستلزمات الحياة الأساسية تصبح أي أسرة مصرية مكونة من طفلين فقط وتصنف ضمن محدودي الدخل عاجزة عن الاشتراك في مثل هذه الدورات ومتابعتها خاصة مع إضافة تكاليف أخرى تتمثل في أجور المواصلات والطعام وبعض النوادي تطلب المواد الخام ومستلزمات النشاط خارج نطاق الرسوم.


عبء الإجازة الصيفية

التقت العربي الجديد ببعض الأمهات لرصد معاناتهن، تقول شيماء، وهي موظفة وأم لطفلين، مع نهاية العام الدراسي يبدأ طفلاي في التخطيط للإجازة ويحددان أنشطة بعينها للاشتراك بها وينتظران

بفارغ الصبر ولكن عند البحث أجد التكلفة مبالغاً فيها بالنسبة لطفلين، وخاصة أن الإجازة هذا العام يتخللها شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى والاستعداد لمصروفات العام الدراسي المقبل، وتتابع: مع معايشة هذا الواقع تبدأ أحلام الطفلين في التلاشي أو الموت حتى تصبح أقصى طموحاتهما قضاء بضعة أيام بأحد المصايف والتسلية بالألعاب الإلكترونية رغم ما نعلمه جيدا من الأثر السلبي لها.

وتوضح هاجر، طبيبة وأم لثلاثة أطفال: إلى جانب الدورات والمعسكرات ذات الأسعار المبالغ فيها هناك العديد من الأنشطة الصيفية منخفضة التكاليف نوعا ما في المراكز والجهات التابعة للدولة لكنها لا تقدم ذلك النوع من الخدمات الترفيهية التي ترضي الأهل والطفل ولا تضيف في الغالب تجارب أو أفكارا جديدة له، إضافة إلى أن الاشتراك فيها يتوقف على اغتنام الفرصة بجانب توفر قدر من الحظ نظرا لزيادة الإقبال ومحدودية الأماكن.

وتلتقط فاطمة، وهي ربة منزل، طرف الحديث وتضيف: وزارة التربية والتعليم هي الأخرى تعلن كل عام عن الأنشطة الصيفية بالمدارس من أجل استثمار أوقات فراغ الطلاب واكتشاف مواهبهم ودعمها، وتواصل: هذه الأنشطة مجرد كلام معسول على الورق فقط ويتم بالفعل لصق الإعلانات بالمدارس للإعلان عن بدء النشاط الصيفي دون أدنى تطبيق على أرض الواقع في أي مجال وتستشهد فاطمة بطفلتها التي أرسلتها إلى نشاط الرسم بالمدرسة ولم تجتمع بهم معلمة الرسم سوى مرة واحدة وتركتهم فيها يرسمون كل في ورقته بلا توجيه ودون أدنى استفادة، في حين كانت المعلمة تواصل ثرثرتها مع باقي المعلمات.

إيمان، معلمة وأم لأربعة أطفال، صُدمت بأسعار الأنشطة فقررت التفكير بشكل عملي، تقول: قررت أشغل أولادي بأنشطة تمكن ممارستها داخل المنزل تمزج بين التعلم والترفيه مع تخصيص يوم واحد من كل أسبوع للاستمتاع خارج المنزل بشكل مدروس كزيارة المتاحف أو اكتشاف المعالم الأثرية وكذلك زيارة الحدائق والمتنزهات، ورغم قلة تكاليف هذا البرنامج إلا أنه ينقصه روح الجماعة والمنافسة واكتساب علاقات جديدة والقدرة على التعامل مع أنماط مختلفة من الأطفال خارج محيط الفصل الدراسي.

 




غياب دور الدولة

وتعلق دكتورة نبيلة سامي، أستاذ الاجتماع: إذا كانت هذه الأنشطة تحولت إلى عملية تجارية

بحتة تخضع لمعيار العرض والطلب وارتفاع أسعارها يعد سببا رئيسيا في عزوف شريحة كبيرة جدا من المجتمع، فهناك دور كبير يجب أن تتحمله الدولة في سبيل ممارسة الأطفال لهواياتهم واستثمار طاقاتهم لاستقبال العام الدراسي الجديد برغبة وهمة عالية وحتى لا تتحول الإجازة الصيفية إلى عبء إضافي تشكو الأسرة المصرية همه.

وتواصل سامي: على الدولة أن تضع آلية محكمة لمراقبة ومتابعة تطبيق الأنشطة الصيفية في المدارس والمؤسسات التابعة لها وتستنكر وضع المدارس الخاصة لائحة أسعار تبدأ من 25 جنيها يوميا للطالب الواحد المقيد بالمدرسة مقابل نزول حوض السباحة دون أدنى رقابة، وتتوجه برسالة إلى كل رئيس حي بضرورة الاهتمام بأبناء الحي وتخصيص قطعة أرض في كل حي يقام عليها أنشطة حقيقية حتى نستغل طاقات هذا النشء ونحفظهم من مشكلات الإدمان والتحرش وغيرها من الأمراض المجتمعية المنتشرة بدلا من استغلال هذه الأراضي في التجارة والاستثمار وتحويلها إلى ملاعب خماسية خاصة يصل تأجير الساعة في الأماكن الشعبية إلى 200 جنيه وأقل اشتراك "جيم" 500 جنيه شهريا.

وتتابع: يجب أيضا الاهتمام بالحدائق العامة وتوفير أماكن ترفيهية بها ترضي أذواق الأطفال وتلائم الرغبات المختلفة وبأسعار مناسبة وكذلك تنظيم فعاليات متنوعة للأطفال في مختلف المناطق والمحافظات إن كانوا حقا ثروة هذا البلد.

 

دلالات