مصر: استجواب نيابي لـ5 وزراء بسبب هدم مقابر المماليك التاريخية

مصر: استجواب نيابي لـ5 وزراء بسبب هدم مقابر المماليك التاريخية

28 يوليو 2020
هدم عشرات المقابر التاريخية في القاهرة لإنشاء طريق (محمد مصطفى/Getty)
+ الخط -

قدمت البرلمانية المصرية داليا يوسف، الثلاثاء، استجواباً نيابياً ضد كل من وزير السياحة والآثار خالد العناني، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ووزير الموارد المائية والري محمد عبد العاطي، ووزير التنمية المحلية محمود شعراوي، ووزير الإسكان والمرافق عاصم الجزار، تتهمهم فيه بالتورط في وقائع هدم المقابر التاريخية والأثرية داخل البلاد خلال الأسابيع الأخيرة.

وقالت يوسف في الاستجواب إن هذه الوقائع "تشكل مخالفة صريحة لأحكام الدستور المصري في شأن انتهاك حقوق الموتى، وإهدار كرامة الإنسان حياً أو ميتاً، وأحكام وفتاوى الشريعة الإسلامية، فضلاً عن انتهاكها حرمة الموتى بهدم المقابر، وكذلك حقوق الإنسان بالمخالفة للمواثيق الدولية"، مؤكدة أن الحكومة المصرية، ممثلة في هذه الوزارات، "جسدت بشكل حقيقي مسألة انتهاك مواد الدستور".

وأضافت يوسف أن "أي انتهاك يتعرض له المواطن في ملكيته الخاصة، وكأنه انتهاك لنصوص الدستور"، مستطردة بأن "هذه الوزارات انتهكت حرمة الموتى، وحرمة الملكية الخاصة، وكذلك الحقوق الإنسانية للمواطن المصري من خلال ارتكابها هدم المقابر الخاصة بالمواطنين، رغم أنها ملكية خاصة، معللة ذلك تارة بتوسعة الطرق، وتارة أخرى بمحاربة العشوائيات".

وزاد الاستجواب قائلاً إن "أهل العلم اتفقوا على أن القبر هو حبس على صاحبه، ولا يجوز أن يُمشى عليه، أو أن يُنبش فيه، ما دام به عظم من عظام المقبور، أو شعر من شعره، إلا لضرورة. وإن من كبائر الذنوب انتهاك حرمة الأموات، ونبش قبورهم، لغير ضرورة معتبرة شرعاً. ما بالنا بما تقوم به الحكومة من هدم بآلات حفر وأوناش للقبور، ودكها دكاً، وهدمها رأساً على عقب، بالمخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، والنصوص القرآنية؟".

وفي ما يتعلق بمخالفة أحكام القانون المصري بخصوص انتهاك حرمة الموتى، قالت يوسف إن "قانون العقوبات المصري، أورد عقوبة هدم القبور بالحبس والغرامة، إذ نصت على معاقبة كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات، أو دنسها، أو خرب أو كسر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دينية، أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة، أو فريق من الناس".

وقالت يوسف إن "توافر القصد الجنائي، وتحقق أركان الجريمة، يوجب إقالة كل من تسبب في مهزلة العبث بجثث المواطنين، وعدم احترام آدميتهم"، مشددة على أن "انتهاك حرمة الأموات في الإسلام من كبائر الإثم والذنوب، سواء من المسلمين أو من غير المسلمين، كونها لهم حرمة، ولا ينبغي الاعتداء عليها بأي حال من الأحوال".

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

وأشار الاستجواب إلى أن القاهرة تضم قرافتين، هما "القرافة الصغرى" الممتدة من حي المقطم، وحتى منطقة الإمام الشافعي، و"القرافة الكبرى" والممتدة من مناطق صلاح سالم، والدراسة، وباب النصر، وحتى حي مدينة نصر، متضمنة ما يُعرف بـ"صحراء المماليك"، وبين القرافتين تفرعت جبانتين، هما "جبانة المجاورين" خلف القلعة، و"جبانة الغفير الشرقية" الواقعة بين المقطم والعباسية، وبها مدافن الغفير، ومنشية ناصر، والدويقة (شمالي قلعة الجبل).

وبين الاستجواب أنه تقرر إنشاء ما يُعرف بـ"محور الفردوس" على حساب مقابر "الغفير"، بهدف الوصل بين ميدان الفردوس بشارع صلاح سالم، ومنه إلى محور المشير طنطاوي، وهو ما يعني هدم مقابر مناطق "الغفير ـ منشية ناصر ـ الدويقة". ومع انتشار صور المقابر المهدومة، ذهب كثيرون إلى أن ما تتم تسويته بالأرض هو آثار صحراء المماليك.

أغلب الموتى المدفونين في تلك المقابر لهم ارتباط وثيق بالتاريخ المصري الإسلامي المعاصر

وتضم صحراء المماليك المترامية 36 أثراً مسجلاً، وتم هدم مقابر حديثة (حسب وصف وزارة الآثار)، والتي قالت في بيان رسمي، إن "المقابر المهدومة لم تُسجل كأثر". وعلى الرغم من ذلك، وجه الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بتشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية، لبحث إمكانية عرضها ببعض المتاحف كجزء من تراث مصر المتميز.

ورد الاستجواب على ذرائع وزارة الآثار، بالقول: "على فرض أن المدافن الموجودة لم تُسجل كأثر، لكنها جزء لا يتجزأ من قوة مصر الناعمة لسببين، أولهما يتعلق بالطراز المعماري، إذ إن المقابر التي تصفها الوزارة بالحديثة بُنيت قبل أكثر من مائة عام على طراز إسلامي يستحق الحماية الأثرية، فالأزمة ليست في أنها غير مُسجلة، وإنما في عدم تسجيلها من الأصلما لا تعلمه وزارة الآثار أنه جرت العادة عند أهل أموات مصر من علية القوم، أو حتى من ميسوري الحال، على بناء تربة عائلية، أو مدفن كبير على طراز إسلامي، وتلك عادة لم تنقطع حتى آخر سبعين عاماً".

لوزارة الآثار في مصر سجل أسود في التعامل مع ما تسميه (مقابر حديثة)، فحين قررت محافظة القاهرة تطوير منطقة باب النصر، تقرر هدم عدد من القبور بحجة أنها غير أثرية، لتظهر بعد سنوات فضيحة ثقافية

وأردف قائلاً: "أغلب الموتى المدفونين في تلك المقابر لهم ارتباط وثيق بالتاريخ المصري الإسلامي المعاصر، مثل مفتي الديار المصرية الشيخ بكري الصدفي، والذي رفض التصديق على إعدام قاتل بطرس غالي، وعبود باشا صانع الاقتصاد المصري، وشخصيات أخرى كان لها تأثير واضح في تاريخ مصر الحديث، ومسألة عدم أثرية هذه المقابر لا تعني هدمها".

واستكمل الاستجواب: "لوزارة الآثار في مصر سجل أسود في التعامل مع ما تسميه (مقابر حديثة)، فحين قررت محافظة القاهرة تطوير منطقة باب النصر، تقرر هدم عدد من القبور بحجة أنها غير أثرية، لتظهر بعد سنوات فضيحة ثقافية تمثلت في أن من ضمن الشخصيات التي سويت قبورها بالأرض، المؤرخ تقي الدين المقريزي، والعالم الكبير عبد الرحمن بن خلدونالوزارة لم تهتم بمقابر الشخصيات التاريخية، بذريعة أنها قبور حديثة، فكانت النتيجة سرقة رخام قبر المفكر عبد الرحمن الكواكبي، الذي سُجلت عليه أبيات شاعر النيل حافظ إبراهيم".

وواصل بالقول: "تتعامل وزارة الآثار بإهمال شديد في ملف سياحة المقابر، فهناك شخصيات تمتلك ثقلاً تاريخياً كبيراً في مصر، وقبورها الآن مرتع لشرب المخدرات، وممارسة الرذيلة، مثل قبر العز بن عبد السلام. ولا ينبغي إطلاقاً استمرار عملية هدم مقابر الغفير، ومنشأة ناصر، والدويقة، لحرمة الأموات أولاً، ولأن هذه المناطق تعتبر متحفاً جنائزياً مفتوحاً، خصوصاً أن هناك شخصيات تاريخية بارزة في هذه المقابر، ومنها على سبيل المثال الشاعر محمود سامي البارودي".

وختم الاستجواب: "لا يوجد حصر لقبور الشخصيات التاريخية المهدومة في منطقة صحراء المماليك، إذ ارتفعت حصيلة قبور الشخصيات التاريخية المهدومة في هذه المنطقة إلى سبع شخصيات تاريخية حتى الآن، من دون المساس بالمدافن المسجلة كأثر أو المنشآت التاريخية بالشارع. ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة قبور الشخصيات التاريخية التي تعد بمثابة رموز مصر الوطنية".

وحسب المعلومات المتاحة عن محور الفردوس، فإنه من المقرر أن يبدأ من تقاطع شارع رمسيس مع شارع أحمد سعيد، متقاطعاً مع محور الأوتوستراد عند حي منشأة ناصر، حتى ربطه بامتداد محور الشهيد، وصولاً إلى مناطق مدينة نصر، والقاهرة الجديدة، وذلك بكلفة إجمالية تصل إلى مليار جنيه، وعلى مدى زمني يبلغ ستة أشهر.

المساهمون