مشهدان إعلاميان من تونس ومصر

مشهدان إعلاميان من تونس ومصر

05 ديسمبر 2014

اعتصام للصحافيين التونسيين (17سبتمبر/2013/أ.ف.ب)

+ الخط -

وجّهت نقابة الصحافيين التونسيين تهديداً إلى رجال السياسة بالتوقف عن تغطية نشاطاتهم، بعد استفحال الخطاب العدائي في حملة المرشحين للدورة الثانية للانتخابات الرئاسية وناخبيهما، وترافقه مع اعتداءات على الصحافة. يقدم بيان النقابة مثالاً من المنطقة على قدرة الجسم الصحافي، أو على الأقل الممثلين عنه، على التعاطي مع الساسة، على أنهم مجموعة تختلف معهم، بل تتناقض في المصالح، وأن دور المجتمع الصحافي لا يقوم على التماهي الأعمى مع الساسة، بل مراقبة سلوكهم ومعاقبته، عندما يتجاوز الأصول المرعية في التعاطي مع وسائل الإعلام ومع الرأي العام. واللافت في بيان نقابة الصحافيين التونسيين أنها فيه لم تكتفِ بأن انتقدت تعامل المرشحين الرئاسيين، بل دعت وسائل الإعلام إلى تجنب تصريحات السياسيين التي من شأنها أن تزيد من الانقسام الحاصل بين مؤيدي المرشحين الرئاسيين، الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي ومرشح حزب نداء تونس العلماني الباجي السبسي.

يؤكد البيان الوعي بأهمية دور الإعلام في تفادي تحويل الانقسام السياسي إلى صراع مجتمعي حاد، يهدد بإسقاط منجزات التغيير السياسي، عبر تصوير الخصم السياسي بالعدو اللدود الذي يفترض القضاء عليه صوناً للبلاد والعباد. والانتخابات الرئاسية التونسية التي ستجري جولتها الثانية الشهر الجاري، بين المرشحين، الباجي السبسي والمرزوقي، شهدت توتراً غير مسبوق وتبادل اتهامات وإثارة للنعرات الجهوية، إذ وصف المررزوقي غريمه بـ"الطاغوت"، في حين قال السبسي إن مَن صوّت للمرزوقي في الجولة الأولى هم من الجهاديين المتشديين، الأمر الذي أثار انتقادات واسعة لتصنيف الشعب التونسي بين صالح وطالح على يد المرشحين. ولعلّ لغة الكراهية التي تقاذف بها المرشحان تعكس التجاذب الحاد بين أنصار المعسكرين، الإسلامي والعلماني، والذي يأخذ في مواقع التواصل الاجتماعي تعبيرات حادة عنصرية وتكفيرية، ويعكس، بالتالي، هشاشة القاعدة الشعبية الداعمة لنموذج التعايش التونسي الذي يُحتفى به كمثال لعمليات الانتقال الديمقراطي في المنطقة.

والأهم من ذلك كله، في بيان النقابة التونسية، أنه يذكّر الإعلاميين بحق مستهلكي وسائل الإعلام بخطاب إعلامي مهني وهادئ وغير تحريضي، لا يضعهم في حالة من هستيريا كره الآخر، خطاب يعبّر عن همومهم وتطلعاتهم، قبل خدمة أجندات الساسة. ولا تكتفي النقابة بالاحتجاج على التعديات على الطواقم الإعلامية، بل ترد بالتهديد بحجب أضواء الكاميرات عن رجال السياسة، لتؤكد تبعية هؤلاء لها، وليس العكس.

في مصر، لم نسمع حتى الآن أي موقف من نقابة الصحافيين يتناول التدنّي المريع في المعايير المهنية في الإعلام المصري، بمختلف وسائطه، ولا خطاب الكراهية الذي بدأ تحويل أنصار جماعة الإخوان المسلمين إلى شياطين، وصولاً إلى نعت شباب ثورة 25 يناير بالعملاء المتربّصين بالوطن، إلى جانب كل أشكال التشويش والتحريض، وبث الشائعات والدعوات الصريحة إلى العنف، وإقصاء معارضي النظام الجديد. بات التحريض اليومي لوسائل الإعلام المصرية، وعمليات تكميم الأفواه، مثالاً يذكر لما يفترض تجنبه في الممارسات الإعلامية، ما يشكل مبرراً كافياً لنقابة الصحافيين المصريين لتقوم بدورها في إثارة النقاش حول التدهور الخطير في أداء الإعلام، والدور الذي يقوم به في إذكاء الانقسام المجتمعي، وصولاً إلى إيجاد مجتمع مدني مؤيد للعنف وإقصاء الآخر، بحجة الدفاع عن الأمن الوطني.

ولعلّ تشكيل جبهة للدفاع عن الحريات الصحافية، تضم نحو 650 صحافياً، من بينهم أعضاء في مجلس النقابة، رداً على بيان وقّعه رؤساء تحرير صحف لإعلان الدعم للحكومة في حربها على الإرهاب، عبر منع نشر ما من شأنه أن "يشكك" في مؤسسات الدولة هو، أيضاً، رد على الدور الضعيف، أو الغائب، للقيادات النقابية في الدفاع عن الحريات، في وجه حملات التضييق والتكميم الشرسة. وكان نقيب الصحافيين قد حضر اجتماع رؤساء التحرير الداعم لتقييد التغطية الإعلامية خدمة للسياسات الحكومية.

لم يختلف تعامل الإعلام المصري في ما يتعلق بالحكم ببراءة الرئيس السابق، حسني مبارك، عمّا سبقه. ولعلّ صورتين تختصران أهم ما فيه. أعلن عن توقيف عمل الصحافية، عايدة السعودي، بعد تعليقها سلباً على حكم البراءة، بحجة أن حكم القاضي "غير قابل للتعليق"، في حين ضجت كل وسائل الإعلام من أبواق النظام بالتعليقات الإيجابية ترحيباً بالحكم. وفي تغطية تداعيات الحكم من مدينة السويس، ظهر مراسل قناة النيل للأخبار الحكومية، وهو يعلّق على الحكم، مؤكداً "ترحيب المواطنين" به، في حين ضج المواطنون المحيطون بالمراسل بالصراخ، مرددين "إعلام كذاب" و"قاتل قاتل" (في إشارة إلى مبارك). واصل المراسل تعبيره "الأمين" عن مشاعر المواطنين، غير آبه بتعبير هؤلاء الساخط أمام الكاميرا، احتجاجاً على الحكم، في حين علّق المذيع من الأستديو، قائلاً إنه اضطر لإنهاء المكالمة بسبب "حالة الفوضى" المستشرية حول المراسل.

مشهدان إعلاميان نقيضان من المنطقة، في حدثين فائقي الأهمية في المسار الانتقالي. لن يكون بمقدور بيان نقابة الصحافيين التونسيين أن يوقف حملات الكراهية على وسائل الإعلام، بل إنه يذكّر بمسؤولية الهيئات النقابية التي تبدو غائبة عن الانتهاكات التي يرتكبها صحافيوها بالصمت، أو حتى بالرعاية أحياناً.

A6CF6800-10AF-438C-B5B5-D519819C2804
فاطمة العيساوي

أستاذة لبنانية في جامعة إيسيكس البريطانية. ترأست بحثا في تأثير عملية الانتقال السياسي على الإعلام المحلي في دول الثورات العربية. صحافية مستقلة ومدربة وخبيرة في التشريعات الاعلامية في العالم العربي.