مرضى نفسيّون محكومون بالمؤبد

مرضى نفسيّون محكومون بالمؤبد

04 مارس 2016
خلال إحدى جلسات العلاج (العربي الجديد)
+ الخط -
لا جديد في القول إن واقع السجون في لبنان صعب. إلا أن المركز اللبناني للعلاج بالدراما "كثارسيس"، كان قد أعد دراسة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، تحت عنوان "الصحة النفسيّة في السجون اللبنانية"، وقد لفتت إلى تفشّي الاضطرابات النفسيّة بين السجناء في سجني بعبدا ورومية. وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد في السجون اللبنانية، والتي يصل عددها إلى 22 سجناً في مختلف المناطق اللبنانية، مركز صحي متخصّص في العلاج النفسي، باستثناء سجن رومية الذي يضم مركزاً صغيراً يُسمى المأوى الاحترازي (المبنى الأزرق)، وقد أنشئ عام 2002.

وكانت الدراسة قد تطرقت إلى الاضطراب ثنائي القطب الذي يعاني منه عدد من السجناء الذكور في سجن رومية، والإناث في سجن بعبدا. ويؤدي هذا المرض إلى تبدّلات مزاجية، ينتقل خلالها المريض من الشعور بالسعادة العارمة إلى الحزن الشديد والاكتئاب أو العكس.
شملت الدراسة 198سجيناً و14 سجينة. وتبيّن أن 26 في المائة من هؤلاء قد أتموا دراسة المرحلة الابتدائية. وتبيّن أن 66 في المائة من هؤلاء يعانون من اضطرابات عصبية، والمفارقة أن 55 في المائة منهم ينتظرون صدور الحكم بحقهم.

في هذا السياق، تقول المخرجة والمعالجة من خلال الدراما والمديرة التنفيذية لـ "كثارسيس" زينة دكاش، لـ "العربي الجديد"، إنه "عام 2012، وخلال إحدى جلسات العلاج بالدراما في سجن بعبدا، دخلت السجينة ف.م. الغرفة. وكانت المرّة الأولى التي تشارك فيها بالجلسات. بدت شاحبة وبالكاد قادرة على المشاركة في التمارين. وحين سألتُها عن مدّة سجنها، قالت إن الحكم الصادر بحقّها غير واضح، لكنها تظن بأنها محكومة بالسجن المؤبد".

تضيف دكاش أن "المركز في رومية لا يشبه أبداً المأوى الاحترازي"، موضحة أن "المساجين الذين يعانون من أمراض نفسية يحصلون على قليل من الاهتمام من المجتمع المدني ورجال قوى الأمن الداخلي، الذين يؤدون دور الممرض". وتلفت إلى أن "القانون الصادر عام 1994 أشار إلى ضرورة إنشاء مأوى احترازي تتولى وزارة الصحة إدارته. لكن للأسف، بقي حبراً على ورق".

إحدى أبرز المشاكل التي تسلّط الدراسة الضوء عليها تتمثل في عدم الاهتمام بالاطلاع على الصحة النفسية للسجين. وفي وقت يحكم على مقترفي الجرائم الذين يعانون من أمراض نفسية بالسجن إلى حين الشفاء، بحسب المادة 232 من قانون العقوبات اللبناني، يستمر الحجز إلى حين ثبوت شفاء "المجنون"، كما يصفه القانون، بقرار تصدره المحكمة التي قضت بالحجز. ويمكن فرض "حرية مع رقابة" بعد الإفراج عن السجين. في هذا السياق، تطالب "بإعادة هيكلة عملية إصدار الأحكام على الأفراد الموقوفين في لبنان"، لافتة إلى "وجود حاجة ماسة للنظر في ما إذا كان هؤلاء ذوي أهلية للمثول أمام المحكمة، أو إذا كان لديهم أي اضطرابات نفسية قبل دخولهم السجن".

بعد إعداد الدراسة، خلص "كثارسيس" إلى مسودة قانون. تقول دكاش: "أتمنى أن تصبح التوصيات المستخلصة من هذا المشروع أمراً واقعاً، إذ أنها ستُغيّر حياة الكثير من المنسيين خلف القضبان، والذين يقبع بعضهم في السجن منذ أكثر من 35 عاماً، ما يعني أن السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية يلقون مصيراً شبيهاً بالحكم المؤبّد في المستقبل".

إلى ذلك، تقول محامية رفضت الكشف عن اسمها إن "المشرّع اللبناني في قانون العقوبات أوضح المادة 232 قائلاً إن المجنون أي فاقد العقل والأهلية يوضع في تدبير احترازي إلى حين الشفاء". تضيف أن "سجوننا ليست مؤهلة لتقديم الرعاية الصحية والنفسية بشكل جيّد وفعّال، وليس هناك لجنة طبية تقدم العلاج الجيد للسجناء المرضى. ولو نظرنا إلى نص المادة القانوني، نقرأ كلاماً جميلاً لا يطبق في الواقع".

من جهة أخرى، تعدّ قصة محمد، المسجون في أحد السجون اللبنانية الواقعة خارج العاصمة بيروت، محزنة إلى أقصى الحدود. يعاني هذا السجين من مرض الصرع، وقد أقدم على خنق والدته بيديه. ما حدث في ذلك اليوم يعذبه كثيراً، وقد أصيب بالاكتئاب والهلوسة. صار يعاني من نوبات عصبية تدفعه إلى عض زميله في السجن إلى حد اقتلاع لحمه، كما يقول الطبيب الذي أشرف على حالته الصحية سابقاً، ورفض الكشف عن اسمه. يصرخ محمد طويلاً، ويطالب والدته بمسامحته حتى يفقد الوعي. وقد نقله طبيبه إلى سجن رومية لتلقي العلاج النفسي اللازم.

يقول الطبيب لـ "العربي الجديد" إن إحدى أبرز المشاكل النفسية التي يعاني منها السجين هي الاكتئاب الشديد. يضيف: "نحيل الحالات الصعبة إلى المأوى الاحترازي في سجن رومية لتلقي الرعاية اللازمة".

اقرأ أيضاً: زينة دكاش.. العلاج بالدراما يعيد الأمل للسجناء

المساهمون