مذبحة على ضفاف البحر

مذبحة على ضفاف البحر

19 فبراير 2015
+ الخط -

المشهد مهيب مروّع.
شيء في قاع الرّوح يتفتّت.
دمع حبيس يحزّ شغاف القلب.
يرقص البحر كلّه في بحيرات من الدّمع الحبيس في أعيننا. ستصوّرالمذبحة وستتناقلها الفضائيات.
هو ذا الموت، يحضر داعشيا قاسيا فظّا بدائيا ساديّا همجيّا عاتيا ضاريا فاجعا. هو ذا"القتل الداعشيّ"على مرأى من الدنيا والعرب. الأرض لم تصب بقشعريرة، ولا باندهاش. إنّها تأكل بنيها.

يا أقباط مصر، نحتاج قليلاً من صبركم الرباني فالرّوح محض عذاب.
المشهد قياميّ مروّع. شيء كالزفير المكتوم تحسّه في الهواء يتصاعد من الأرض التي خزّنت في ترابها الموات شمس العرب الآفلة.
شيء مرعب يربك الحواس جميعها. قسوة المكان، عظمته، جذبه، هالة المهابة التي تجلّله، كل هذا يجعلك تكاد تسلّم بأنك قفزت في العمى، والكون لم يزل بعد سديماً.
بعد قليل، بعد برهة قد تنحني آلهة ما، قد يأتي ملاك ما، قد يتجلّى كائن أثيري، ويقتطع من طين الأرض قسطاً، حفنة أو حفنتين، ويبدأ التكوين.
المشهد قاس ومروّع، فظاظة رقيقة، هشاشة صلبة، غلظة حانية، أمواج عاتية يقذفها البحر بازدراء مثل لعنة أبديّة.
ثمّة كآبة ما تخترق الجسد، وتطبق على الرّوح، رغبة في البكاء، رغبة في النشيج تستبدّ بك، حين ترى كم هو قاس قدر الفقراء في هذا الليل العربي الذي ما فتئ يزداد كثافة، وكم هي مهيبة رسائلهم.
سيعمّ الخير والرفاه بلاد العرب، من البحرين حتى أقاصي بلاد موريتانيا العظمى، وستنال الصحراء الغربية نصيبها من الغنيمة أيضاً. وعلى العرب أن يفرحوا. عليهم أن يهلّلوا لمذابح داعشية هذه المرّة. ولهم أن يبتهجوا بالنظام العالمي الجديد صانع المعجزات.
عيون الضحايا زائغة، على ملامحهم مسحة من ذهول، وتلك ضراوة الموت، ذاك طابعه الكاسر المتوحّش. يكفي أن تتخيّل أرواح الضحايا، وهي ترفض أن تأخذ طريقها إلى الموت.
الكلمات التي تصوّر المذبحة الرهيبة تبدو ذليلةً، لم تتمكّن من القضاء على فجائية الموت وضراوته وطابعه الكاسر.
بعد قليل، ستجزّ الرقاب، وستصعد الأرواح إلى خالقها.
لو كان في ذاك الأزرق المتماوج بعض حنان لسقط على القتلة وسحقهم.
متى ينتهي العالم؟ الحياة فسدت. وهذا الكوب الأرضي يمتلئ بالشرور والدياجير، و"داعش" تكشّر عن أنيابها الزرقاء.
أنا على يقين من أنّ الإرهاب سيظلّ يدحرج العالم باتجاه الهاوية، حيث لا شيء غير الموت وصرير الأسنان.
ولكن، ثمّة فسحة أمل في دياجير هذا الليل العربي. خطوة.. خطوتان، ومن حقّنا أن نواصل الحلم، ولتحيا الحياة.

avata
avata
محمد المحسن (تونس)
محمد المحسن (تونس)