مخيم اليرموك.. سيرة حصار قاتل

مخيم اليرموك.. سيرة حصار قاتل

19 يوليو 2014
+ الخط -

فتات الطعام أصبح حلماً، وأصيب الأطفال بحالات سوء التغذية، وتوفي بعضهم من قلة الغذاء والدواء، وبات مخيم اليرموك، جنوب العاصمة السورية دمشق، نموذجاً للحصار الجائر، إلى جانب القصف، شبه اليومي، لتحقيق عقاب جماعي.

نقف، اليوم، على أعتاب بداية العام الثاني من حصار كسر كل المفاهيم والمبادئ، وحتى الموروث الشعبي، ليموت الفلسطيني اللاجئ جوعاً، بعد أن كنا نسمع من أجدادنا أن لا أحد يموت من الجوع، لكن أكثر من 150 لاجئاً فلسطينياً ماتوا جوعاً، بعد أن قضى أكثر من 2300 منهم قتلاً، وتشرد أكثر من ربع مليون فلسطيني داخل سورية وخارجها، ما جعل مؤسسات عديدة تصف ذلك بأنه كارثة إنسانية غير مسبوقة.

حصار. كلمة قد لا تعني الكثير، إن لم تُرفَق بالشروح التفصيلية لواقع الحياة اليومية لآلاف من النساء والأطفال وكبار السن. بدأت أولى ملامح حصار المخيم بتاريخ 26/12/2012، أي بعد ما سمي آنذاك "ضربة الميغ"، حيث قصفت قوات النظام السوري، لأول مرة، عدة مواقع مدنية في مخيم اليرموك بطائرات الميغ الحربية، ما أدى إلى سقوط عشرات بين شهداء ومصابين، حيث استهدف القصف عدة مراكز لإيواء النازحين، منها جامع عبد القادر الحسيني ومدرسة الفلوجة في شارع المدارس، وكان أغلب من سقطوا في تلك المجزرة من نازحي منطقة التضامن والحجر الأسود الذين كانوا قد هربوا من مناطقهم، نتيجة قصف قوات النظام لها.

وتوالت الشائعات بعد تلك الضربة، وخصوصاً بعد دخول عناصر من الجيش السوري الحر إلى المخيم، ما أدى إلى نزوح عشرات آلاف من سكان المخيم إلى خارجه، واشتدت، بعد ذلك، قبضة النظام الأمنية، وقصفه المركَّز على المخيم، وبدأ بنشر الحواجز على طول الطرق المؤدية إلى المخيم، فمنع أية مواد إغاثية، أو طبية، من الدخول إلى المخيم.

لم تكن الفترة الزمنية طويلة بين بداية حصار مخيم اليرموك والإجراءات الفعلية التي بدأت من أجل معاقبة سكان المنطقة، من قوات النظام. فبعد تاريخ 26/12/2012، بدأ جيش النظام إحكام الخناق على جميع مداخل مخيم اليرموك. وبعد ذلك التاريخ، منعت قوات النظام إدخال أي شيء إلى المخيم، وكان الحاجز العسكري التابع للجيش النظامي يمنع إدخال أكثر من "ربطة" خبز. فإدخال حتى ربطة الخبز حكر على النساء والرجال المسنين. ولم تمرّ فترة طويلة، حتى مُنع إدخال الخبز بنحو نهائي في بداية شهر فبراير/شباط 2013، وكان يُسمح فقط بإدخال قليل من المواد الأساسية جداً، فارتفعت الأسعار في المخيم إلى أضعاف مضاعفة، وشهد الوضع الإنساني تدهوراً شديداً.

وكان النزوح الثاني في شهر يونيو/حزيران 2013، حيث نزح، أيضاً، عشرات آلاف من السكان. مرّ حصار المخيم بعدة مراحل، فبعد أن كان هنالك بعض "التدقيق" من الحاجز التابع للجيش السوري النظامي، أصبح الحصار أكثر صعوبة، وخصوصاً بعد أن خضع الحاجز خضوعاً شبه كلي للجان الشعبية التابعة لأحمد جبريل، وبدأ الحصار يشتدّ أكثر على المخيم. ومنذ بداية يوليو/تموز 2013، أُغلقت المنطقة الجنوبية على نحو كامل، ما اضطر السكان المحاصرين إلى تقليص عدد وجبات الطعام من ثلاث إلى واحدة، بسبب عدم توفر الطعام الكافي.

يعيش مخيم اليرموك حصاراً منذ عام، من قوات النظام أولاً، والجبهة الشعبية-القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل، وبقايا تنظيم فتح الانتفاضة ثانياً، حيث أغلقوا جميع مداخل مخيم اليرموك ومخارجه، وبالتحديد منع دخول أي نوع من المواد الغذائية أو الطحين، أو حتى المواد المعيشية البسيطة.

يمكن اعتبار الحصار الذي فُرض على مخيم اليرموك من أشرس وأقسى ما شهدته المناطق السورية، وخصوصاً من ناحية منع دخول الأطباء، حيث اعتُقل أطباء عديدون على الحواجز المؤدية إلى المخيم، ويمكن القول إنه، قبل حدوث "ضربة الميغ"، كان هناك عشرات من الأطباء من جميع الاختصاصات، إضافة إلى عشرات الممرضين والمسعفين. لكن، بعد "ضربة الميغ"، غادرت جميع الكوادر الطبية، حتى أمسى المخيم مقتصراً على طبيب جراحة عامة واحد و11 مسعفاً ميدانياً، وغادرت الكوادر مستشفى الباسل الذي تأثر، مباشرةً، بالضربة العسكرية، وغادرت الكوادر، أيضاً، مستشفيي فلسطين والهلال الأحمر، ما أوصل الحالة الطبية إلى أسوأ أوضاعها.

لم يكن الاعتقال السبب الوحيد في خوف الأطباء من الدخول إلى المخيم، فقد كان القصف العشوائي سبباً في فقد مسعفين وأطباء مسعفين عديدين استشهدوا جراء ذلك. وكان النقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية الأولية سبباً في وفاة حالات كثيرة كان إنقاذها ممكناً. وكانت الإصابات تتفاقم كثيراً نتيجة انعدام وسائل العلاج، وشهد المخيم عشرات الحالات لأناس مصابين، استشهدوا متأثرين بجراحهم، حتى إن النقاط الطبية والمستشفيات الرئيسية كانت تفتقر إلى أبسط المواد المعقَّمة. ما هذا إلا غيض من فيض، وباختصار، يعيش مخيم اليرموك كارثة إنسانية كبيرة.

ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
ماهر حسن شاويش
كاتب صحفي مقيم في هولندا، يرى أن "الحرية حق والحقيقة أولاً".
ماهر حسن شاويش