محمود شقير ونساء العائلة

محمود شقير ونساء العائلة

14 مارس 2015
امرأة في القدس (1948)
+ الخط -

"نظرتُ في عينيه وعاودني الشعور بالخجل، ورأيت شبح ابتسامة على وجهه، لم أستطع تفسير معناها.. إلا أنه قال بصوت واهن: أنا تعبت.. واصلوا أنتم". هكذا ينهي الكاتب الفلسطيني محمود شقير روايته الجديدة "مديح لنساء العائلة" (دار نوفل)، التي تعتبر عملاً متصلاً مع الرواية التي سبقتها "فرس العائلة".

يخوض شقير في تفاصيل حياة البداوة وجمالياتها، وينقلها إلينا بطريقة أدبية شعبية، راصداً التغيرات السياسية والاجتماعية التي بدأت تحدث بعد سنة 1948، وانعكاساتها على المجتمع الفلسطيني، وصولاً إلى العشيرة والعائلة، إلى أن ينتهي بصوت الراوي الأساسي، محمد بن منان الأصغر، عندما يعيد والده قبل موته بقليل تذكيره بمسؤولية جمع شتات العائلة من بعده، التي طالما أوصاه بها في حياته.

يحكي محمد الأصغر تاريخ عائلة عبد اللات التي عاشت في مكان يسمى "راس النبع" في القدس المحتلة. يتناولها شقير من عدة زوايا في سرد مبسط أقرب إلى الواقع، مستخدماً اللهجة العامية أحياناً، ومن خلال عدة رواة آخرين يشاركون محمد الأصغر في سرد الأحداث، كلّ بدوره، مثل شخصية منان بن عبد اللات، شيخ العشيرة الذي عاش حياته، محاولاً الحفاظ على مركزه وترسيخ التقاليد والعادات التي بدأت بالاضمحلال، إثر التغيرات السياسية والاجتماعية.

يرينا شقير كيف بدأت العائلة بالتفكك أمام التحولات الجديدة، إذ نقرأ دائماً بين صفحات الرواية رسائل عطوان بن منان عبد اللات التي استمرت في الوصول من البرازيل، بعد هجرته إليها وزواجه فيها.

ويبني الكاتب روايته على بعض الأحداث، كبزوغ أولى حركات المقاومة، واشتداد قبضة الاحتلال، وبذور الصراع الفلسطيني الداخلي، وتغيّر مراكز القوى التي انعكست على عشيرة عبد اللات والمجتمع الفلسطيني عموماً، فنرى فليحان بن منان عبد اللات يعبّر عن التغير الذي حدث في مركزه الاجتماعي بعد هزيمة 67: "نعم أنا من أزلام الحكم الأردني، وكنت أجاهر به ولا أخشى أحداً، لكن الزمان تغيّر وعليّ أن آخذ هذا في عين الاعتبار".

وضمن الإطار نفسه، يتحدّث شقير عن تخطي بعض النساء لتقاليد العائلة التي سادت فترة من الزمن، ويرصد لحظة دخول عادات جديدة، مثل ارتداء الفساتين القصيرة والسهر وملابس السباحة ودخول الآلات الكهربائية إلى البيت، فنجد رسمية، زوجة فليحان، التي "رضيت بعد تمنع بارتداء السروال الداخلي القصير ورافقت زوجها إلى سهرات منتصف الليل"، ونرى سناء، موظفة البنك، التي لقيت نصيبها من مرّ الكلام عندما "لوحت الشمس بياض ساقيها بعدما نزلت إلى البحر".

ويروي لنا الكاتب ردود أفعال نساء العائلة على تجاوز بعضهن للتقاليد، وعدم تقبلهنّ التصرفات الجديدة. كما نرى نساء العائلة الأكبر سناً ما زلن يؤمنّ بالأساطير والشعوذات، مثل وضحا، زوجة منان السادسة، التي تعتقد بأن "سناء لا تنجب الأولاد، لأنها مسكونة بالجن والعفاريت"، والتي تتوجس من الأدوات الكهربائية التي بدأت بالوصول إلى "راس النبع"، كالمذياع والتلفاز والبراد، التي تعتقد بأنها مسكونة بالجن، لكنها، وبعد فترة من الزمن، تستخدم البرّاد لاقتناعها بأنه يحفظ الطعام وقتاً أطول، وباتت غير مضطرة إلى الطبخ كل يوم.

هكذا يبحث شقير في انعكاسات التغيرات السياسية على المجتمع الفلسطيني عموماً، وصولاً إلى الثمانينيات، ويأخذنا بين صفحات روايته إلى أعماق المجتمع الفلسطيني بشتى أبعاده السياسية والطبقية والعاطفية، متعمقاً في تفاصيل الحياة اليومية، فينقلها لنا عبر سطور مفعمة بالإيحاءات والصور الواقعية التي تتداخل مع الأحداث ضمن المقياس الزمني الذي بنى عليه الرواية.

المساهمون