متعصبون سوريون مسيحيون

متعصبون سوريون مسيحيون

28 اغسطس 2017
+ الخط -
يُغضب تعبير "التعصب المسيحي" معظم المسيحيين المتعصبين، ولكن التعصب الديني يزداد بشكل عام في سورية التي تعنيني لأنها وطني، ولا يمكن أن أتجاهل عبارة قالها لي أحد زملائي، وهو أستاذ في الفلسفة ومتدين جداً: الحمد لله أن الله خلقني مسيحياً. وعبارته مُبطنة بأنه محظوظ بأنه مسيحي، وبأن الله يحبه أكثر من بقية الناس غير المسيحيين، كما لو أن الله يميّزهم عن غيرهم. ومؤسف أن من قال هذه العبارة شبه كاهن، أي مسؤول عن تهيئة محاضرات دينية واجتماعية لأكثر من ثلاثين أو أربعين سيدة، وينظم لهن اجتماعات دينية لا أعرف تماماً مواضيعها. ولكن يكفي أن جوهر شخصيته وشعاره في الحياة هو حمده لله لأنه مسيحي. ولذلك، يمكن تخمين ما يقوله لأولئك النسوة اللاتي يعتبرنه الأب الروحي لهن، ويستشرنه في كل مشكلاتهن الأسرية. ومن المُفترض أن تعلمه الفلسفة المُحاكمة المنطقية للأمور. وحين قلت له إن أيا منا لم يختر دينه، وإن كل واحد يرث دينه عن عائلته، تبسّم متعالياً، وقال منتشياً عبارته تلك.
وفي حي في اللاذقية يسمونه شارع الأميركان، وهو شارع راق، تغلب عليه الأقلية المسيحية، تُلاحظ مظاهر كثيرة مُخجلة من التعصب المسيحي، أو الأصولية المسيحية. والكلام هنا بشكل عام، أي عن الأغلبية، إذ ثمّة مسيحيون غير متعصبين ومحبون لأخوتهم من أديان وطوائف أخرى. ومن أمثلة عن مظاهر التعصب المسيحي أن من يتصفون به (رجالا ونساء) يحتقرون الحجاب ويسخرون من المحجبات، ويعتبرون كل سيدة مشهورة لبست الحجاب بعد أن كانت سافرة بأنها قبضت مالاً من جهات مُسلمة، خصوصا إن كانت تلك مذيعة معروفة أو ممثلة.
ولا يمكن لهؤلاء المسيحيين المتعصبين أن يقتنعوا ولا بأي شكل بأن للمرأة حرية ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، وإن عقلها هو الأساس، إذ يكون متنوراً وغير متعصب، عندما ترتدي الحجاب أو لا ترتديه، ولكن أولئك، وخصوصا النساء منهم ينعتنها فوراً بالمتعصبة.
كثيرون من هؤلاء المتعصبين يصفون أن الدين الإسلامي إرهابي، ويجيز قتل أهل الأديان والطوائف الأخرى وذبحهم، ويستشهدون بآياتٍ من القرآن يفسّرونها على هواهم. وعندما يحاول أي مسيحي عقلاني أن يقنعهم بأن تفسيرهم تلك الآيات خاطئ، وينصحهم بقراءة كتب المثقف الإسلامي المعتدل والرائع محمد شحرور يسارعون إلى السخرية حتى من الرجل وفكره، بل تعلو أصواتهم بالعبارات نفسها التي يرددونها إن المسلم لا يحق له تغيير دينه وإلا يقتلونه، وإنه يحق له الزواج من أربع نساء، فأي ظلم وتحقير للمرأة المسلمة هذا! وحين يحاول أحد إقناعهم بأن الإسلام لم يسمح بتعدّد الزوجات من دون قيود، يصرخون بأنه سمح بتعدد الزوجات، وإن كل قوانين الأحوال المدنية تبيحه.
ويماهي هؤلاء بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والدين الإسلامي، فهم يصرّون على أن هذا التنظيم هو الإسلام، ويعتمد على كتب ابن تيمية وغيره. ويسخرون مما يُسمى جهاد النكاح، ولا يريدون الإعتراف بأنه غير حقيقي، وألصقت ظلماً وحقداً بالدين الإسلامي، وبأنه غير موجود أصلاً في الإسلام، فلا يقتنعون ويسردون قصصاً عجيبة غريبة عنه، لا تعرف من أين جاءوا بها.
ويحتقر المتعصبون هؤلاء كل مسيحية تتزوج من مسلم أو بالعكس، وينبذونه وينبذونها. وغالباً يقاطعون عائلاتهم ويحرمون من الميراث، وتمنع كتابة أسمائهم على أوراق النعي لأحد الوالدين. وكم هو مخجل أن هؤلاء يعتبرون أن لبيوت المسلمين رائحة غير مستحبة، ويرددون أن كل مسلم يشعر في أعماقه بالدونية تجاه المسيحي، أي كما لو أن المسلم يغار من المسيحي، لأنه أرقى منه مرتبةً إنسانية ودينية. وهناك أمهات مسيحيات يدعون على أولادهن الشبان بالموت، لو فكروا بالزواج من مسلمة.
وللتأكيد ثانية، الحديث كله هنا عن اللاذقية، والمراد منه تبيان خطورة التفكير الأصولي المتعصب وفظاعته، ومن ذلك أن هؤلاء المسيحيين المتعصبين يكرهون بعضهم أيضاً، وكل منهم يرتاد كنيسة محددة يستحيل أن يغيرها، يصلي فيها أيام الأحد وفي كل المناسبات والأعياد الدينية. كما أن مدارس التعليم الديني للمراهقين والشبان لا تتعاون مع بعضها، ولا تتقاطع أبداً، فالشبان والشابات الذين يرتادون مدارس الأحد (يتعلمون قراءة الإنجيل ويسمعون مواعظ دينية اجتماعية) لدى الطائفة الأرثوذكسية يقاطعون الذين يرتادون مدارس الأحد المورانية، حتى أن المطران الفيلسوف جورج خضر قال مرة إن الحوار المسلم المسيحي أسهل من الحوار المسيحي المسيحي (يقصد الطوائف المسيحية المتناحرة سراً وعلناً)، وأكبر دليل عدم اتفاقهم على توحيد عيد الفصح.

لا أنسى كلام أم مسيحية ترتاد الكنيسة كل يوم أحد، وتقف بخشوع تام وهي تغطي شعرها بمنديل أسود مخرّم، وتصلي، وتوصف بأنها امرأة مؤمنة وورعة، لا أنسى قولها لابنها في التاسعة من عمره: اختر أصدقاءك في المدرسة من المسيحيين، فنحن أفضل من المسلمين، نحن لدينا سر المعمودية المقدس الذي يجعلنا أنقياء. المسلم غير متعمد ولم يحل عليه الروح القدس. .. ليت تلك الجاهلة تعرف أن الروح القدس هو روح الله، وأن ثلثي سكان الكرة الأرضية لا يؤمنون بالديانات التوحيدية. ومن يقرأ الأدب الياباني، لا يجد كلمة الله، ويعرف أنه ليس لدى اليابانيين الوصايا العشر، والانتحار عندهم ليس قتلاً للنفس، ولا خطيئة، بل قرارا حرا، لكن هذا الأدب يعرفك بمنظومة أخلاقية عالية جداً تحكم العلاقات بين اليابانيين.
أي أم هذه، تؤمن أنها مسيحية وعضو في جمعية أستاذ الفلسفة الذي يؤمن بأن الله يحبه أكثر من بقية الخليقة، لأنه خلقه مسيحياً. تسمم تلك الأم عقل ابنها الطفل بالأحقاد وكره الآخر والنفور منه، بل واحتقاره لأنه غير مُعمد ولم يطهره سر المعمودية. ولا أعرف لماذا كل شيء في الدين المسيحي سر، حتى الزواج سرّ يشارك به الله الزوجين، ويقول الإنجيل: وما جمعه الله لا يفرّقه إنسان. .. وحالات الطلاق في تزايد . كيف سيكون تفكير هذا الطفل ابن السنوات التسع والذي زرعت أمه الكراهية في نفسه ضد إخوته في الإنسانية الأطفال المسلمين أو من ديانات أخرى، فهؤلاء أنجاس لأنهم غير مُعمدين، وأهم ما في الديانة المسيحية المعمودية.
للأسف، يزداد التعصب في سورية وفي العالم العربي كله، لكن مرادي في هذه المقالة أن أشهد بما يمليه علي ضميري وشرف الكتابة بأن هذا التعصّب، من أي أصحاب أي دين، خطير جداً، وبأنه تفكير سرطاني هدّام، يقضي على الوحدة الوطنية، ويسبب الشقاق بين الأخوة في الوطن الواحد. تُرى هل من أمل بدولة علمانية في عالمنا العربي؟ أين دور الإعلام، وثمّة فضائيات متكاثرة، يقوم نجاحها وارتفاع نسبة مشاهدتها على زرع الفتنة الطائفية والدينية بين الناس، سواء استضافت متعصبين جاهلين، دعاة مسلمين أو رجال دين مسيحيين.
831AB4A8-7164-4B0F-9374-6D4D6D79B9EE
هيفاء بيطار

كاتبة وأديبة سورية