ما الذي يريده مقتدى الصدر؟

ما الذي يريده مقتدى الصدر؟

05 سبتمبر 2016
أنصار الصدر يواصلون تظاهراتهم (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
يحافظ زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، على صدارته بين القادرين على تحريك الشارع العراقي، وسط البلاد وجنوبها، بفعل تكريس نفسه كالأفضل بين من يحظون بقبول متفاوت لدى السنّة والأكراد والمسيحيين، مقارنة بباقي قيادات التحالف الحاكم، بسبب مواقفه والتي كان أحدثها دعوته يوم الجمعة الماضي موظفي الدولة، عدا الأجهزة الأمنية، إلى إضراب عام في أرجاء البلاد أمس الأحد واليوم الإثنين. وبرر الصدر دعوته بالقول، في بيان، إنه "بعد انتهاء مهلة الشهر، صار لزاماً علينا تفعيل الاحتجاجات السلمية الإصلاحية، فما زلنا نمتلك الخيارات التي قد تكون باباً لإنهاء الفساد، لذا ندعو الشعب العراقي عامة، والمتعاطفين مع الإصلاح، وبالأخص التيار الصدري المجاهد، إلى الإضراب عن الدوام والطعام".

وبالفعل بدأ أتباع "التيّار الصدري"، أمس الأحد، إضراباً عن الدوام الرسمي في الدوائر الحكوميّة في بغداد وعدد من المحافظات، ما تسبب بارتباك في عمل المؤسسات الحكومية، وتعطيل لمصالح المواطنين. وقالت مصادر رسميّة لـ"العربي الجديد" إنّ "أتباع الصدر من الموظفين امتنعوا عن الدخول إلى دوائرهم، واعتصموا عند بواباتها وهم يحملون لافتات وشعارات ضدّ الحكومة، ويطالبون بمحاسبة المفسدين". وأوضحت أن "الإضراب شمل أغلب الدوائر في بغداد، وعدداً من المحافظات، منها ميسان والمثنى وواسط"، بينما حذّر مسؤولون حكوميون من تداعيات الإضراب على الشارع العراقي.

وباتت مواقف الصدر وحراكه السياسي غير مفهومة للعراقيين وحتى لدى أنصاره، وبات بعضهم يرى أن القرارات ارتجالية وتنمّ عن جهل سياسي، بينما يرى فيها آخرون أنها "محاولات حقيقية للإصلاح في بحيرة واسعة من الفساد". في غضون ذلك، يعتبر فريق آخر، وهو الأقرب للطبقة السياسية، أن "كل ما يفعله الصدر، لا يتعدّى الصراع على النفوذ والسلطة ومحاولة الإطاحة بحزب الدعوة، الذي يحتكر منصب رئاسة الحكومة، منذ أواخر عام 2004 ولغاية اليوم (عبر إبراهيم الجعفري، ثم نوري المالكي، فحيدر العبادي)".

تاريخ الصدر الحافل بالمواجهات السياسية والمسلحة على حد سواء، مع الحكومات التي أعقبت الاحتلال، بدأ من حكومة إياد علاوي مروراً بحكومتي المالكي والعبادي، تجعل من الصعب التكهّن بما يريده. فحتى بالمواجهات العسكرية في النجف عام 2004 مع القوات العراقية، ومواجهات "صولة الفرسان" في مارس/آذار 2008 في البصرة، إبان حكومة المالكي، والمواجهة السياسية الحالية مع العبادي، استمر حضور التيار الصدري في البرلمان والحكومة ومجالس المحافظات.

غير أن التصعيد في الأزمة الحالية يشير إلى أن الرجل وضع نفسه في طريق لا يحتمل التراجع أو تغيير مساره، على عكس المواجهات السابقة مع حكومات علاوي والمالكي وحتى مع الأميركيين، وكلها انتهت بهدنة أو اتفاق عسكري برعاية المرجع الديني علي السيستاني. أما مطالبته الحالية بالإصلاح وتقديم الفاسدين للقضاء وإنهاء المحاصصة الحزبية والطائفية في الحكومة وتحريك الشارع من أجلها، يعني أنه أصاب قلب العملية السياسية ولامس مطالب الشارع العراقي بمختلف ألوانه. وهو ما يعني أن انسحابه من هذا الملف، يُعدّ بمثابة انتحار سياسي، سيُسهم إلى حدّ كبير في تراجع شعبيته واعتباره ظاهرة صوتية، تُضاف إلى ظواهر صوتية أخرى بالعراق، تتحدث بنفس الموضوع، وهو "الإصلاح السياسي".



يمتلك الصدر قاعدة شعبية واسعة في بغداد والنجف وكربلاء والبصرة وبابل والقادسية وذي قار والمثنى وواسط ومناطق أخرى من البلاد، تجعله الأقوى، خصوصاً أن أغلب أنصاره هم من الطبقة الفقيرة، أو مقلّدي والده المرجع محمد الصدر، الذي اغتيل في ظروف غامضة بالنجف عام 1999، واتُهم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بالوقوف وراء العملية. كما تعمل معه ثلاثة فصائل مسلّحة، هي جيش المهدي (مجمّد حالياً)، وسرايا السلام، ولواء اليوم الموعود، ويُقدّر اجمالي المقاتلين في الفصائل الثلاثة، بنحو 60 ألف مقاتل، وفقاً لتقديرات غير رسمية.

مع العلم أنه في ديسمبر/كانون الأول 2003 صدرت مذكرة اعتقال في النجف بحق الصدر، بتهمة اغتيال المرجع الديني عبد المجيد الخوئي، إلا أن الأميركيين الذين كانوا يتولّون ملف التحقيق في اغتيال الخوئي بعد عودته للعراق، عقب الاحتلال أو الحكومات المتعاقبة، لم يتمكنوا من تنفيذ المذكرة التي ما زالت قائمة، حتى الآن، خوفاً من تفجّر الأوضاع مجدداً والدخول في صراع داخلي مسلّح.

من غير الدقيق القول إن الصدر هو من بدأ الحراك السياسي المطالب بالإصلاح، إذ كان التيار المدني في بغداد، سبّاقاً في ذلك، غير أن تظاهرات أنصاره لم تلقَ أي اهتمام من الحكومة، بل قمعتها في كثير من الأحيان، غير أن دخول الصدر على الخط والمشاركة في تلك التظاهرات، منحها حصانة من عدم تعرّض قوات الأمن أو الجيش لها، فضلاً عن منعه تعرّض المليشيات الموالية لنوري المالكي ومن بعده حيدر العبادي لها. بالتالي سيطر التيار الصدري على تلك التظاهرات وخطفها من التيار المدني.

للصدر 34 مقعداً في البرلمان من مجموع 328 مقعداً، كما يسيطر على 440 مقعداً في مجالس المحافظات الجنوبية والوسطى، وله أربعة وزارات بحكومة العبادي هي الصناعة والبلديّات والإعمار والإسكان، فضلاً عن تسعة وكلاء وزراء وأربعة محافظين، من بينهم منصب محافظ بغداد.

وكان حراك الصدر قد بدأ فعلياً في 27 مارس الماضي، حين نصب خيامه في المنطقة الخضراء بالعاصمة، واستمر أياماً عدة فيها، قبل أن ينسحب منها على خلفية إقرار البرلمان تغيير جزئي في حكومة العبادي، لكنه عاد في 12 أبريل/نيسان الماضي وصعّد مجدداً بإعطاء نوابه أمر الاعتصام في البرلمان، وعدم المغادرة لحين إكمال الإصلاح، ثم أمر مرة أخرى مؤيديه بالانسحاب وانهاء الاعتصام بعد نحو أسبوع، بسبب ما وصفه "ركوب المالكي موجة الاعتصام في البرلمان، ومحاولته تصوير نفسه مصلحاً"، وفقاً للصدر نفسه، الذي أعلن اعتكافه لشهرين عن العمل السياسي وغادر إلى إيران. لكن عصر يوم 30 أبريل اقتحم أنصاره، المنطقة الخضراء، ثم أعادوا الكرّة مرة أخرى في الأول من مايو/أيار، وشهد الاقتحامين عمليات ضرب وشتم للنواب وتحطيم لأثاث البرلمان ومن ثم مجلس الوزراء.

تقلّبات الصدر من زعيم ديني محافظ، شارك في الفتنة الطائفية في العراق عام 2006، عبر جيش المهدي، وما عرف في حينها بـ"فرق الموت"، إلى رجل إصلاحي يُطالب بإنهاء الطائفية السياسية، ثم مطالب بالوحدة الوطنية، ومعارض للتدخل المفروض لإيران بالشأن العراقي، تجعل من الصعب التكهّن بما يريده الصدر فعلاً. غير أن تبنّيه لحركة الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح، والمناهضة لحزب الدعوة، وفّر له شعبية كبيرة، غطّت على كل شيء، وباتت شرائح العلمانيين والإسلاميين على حدّ سواء، تؤيد ما يقوم به أملاً أن لا تكون قفزة عابرة في الهواء وأن تسهم في إصلاح الحال العراقي.



ووفقاً لمصدر مقرّب من مقتدى الصدر، فإن الرجل عقد، قبل فترة، ثلاثة اجتماعات مع زعامات بالتيار المدني في بغداد والنجف، من بينهم الناشطة المسيحية، هناء أدور، وعدد من المفكرين والمثقفين العراقيين، ووعدهم بعدم التراجع عما أسماه طريق الإصلاح. وبحسب المصدر ذاته، فإن الصدر يمتلك خريطة طريق للأزمة الحالية، تتمثل بالتظاهرات التي تشهدها البلاد بين الحين والآخر ثم العصيان المدني، حتى تنفيذ العبادي للمطالب، وأبرزها تعيين وزراء تكنوقراط، وإنهاء المحاصصة الحزبية والطائفية في الحكومة، وتقديم المتهمين بقضايا الفساد للقضاء، بعد تغيير إصلاحي في مجلس القضاء الأعلى، وإعادة تسمية مفوضية عليا للانتخابات، وإجراء اصلاحات في المؤسسات والهيئات المستقلة، كالبنك المركزي وهيئة النزاهة وهيئة الإعلام والاتصالات وغيرها. وفي حال لم تتم الاستجابة لتلك المطالب، سيلجأ الصدر إلى وسائل أخرى، قال عنها، إنها متعددة ومختلفة، رافضاً تأكيد ما إذا كان الخيار المسلّح أحدهما. لكنه شدّد على أن "خطوة إغلاق مكاتب الصدر في محافظات البلاد المختلفة، عدا النجف، خطوة استباقية".

من جهته، يقول الخبير بالشأن السياسي العراقي، الأستاذ في جامعة بغداد محمد الوكيل، إن "الصدر أدخل نفسه هذه المرة في عنق الزجاجة، فإما أن يتم تنفيذ الإصلاحات وإحداث تغيير في العملية السياسية وملف الفساد بشكل خاص في البلاد، أو أنه سيخسر رصيده الشعبي، مثل شخصيات سابقة كعمّار الحكيم".

ويضيف الوكيل لـ"العربي الجديد"، أن "الصدر شخصية صدامية لها ثقل شعبي، لذا لا أتوقع أن ينسحب من المواجهة الحالية، أما التحركات التي يقوم بها حالياً، فهي محاولة لإخافة الآخرين، تحديداً حزب الدعوة. وقد يفاجئنا في أي لحظة بقرارات أو دعوات جديدة، تحشد الشارع ضد العبادي، الذي بات يتجنّب الاصطدام معه مرة أخرى بعد اقتحام المنطقة الخضراء".

ومما تقدّم، يُمكن القول إن الصدر يسعى في حركته الحالية، لاستغلال دعوات الإصلاح، التي باتت مطلباً شعبياً عاماً، للنيل من خصومه التاريخيين، وهم الدعوة وبدر والفضيلة، التي تجتمع معاً في مخالفة التيار الصدري بوجهين. الوجه الأول هو الوجه العقائدي الشيعي المؤمن بولاية الفقيه من الدعوة وبدر والفضيلة، فضلاً عن جناح صغير في المجلس الأعلى. أما الوجه الثاني فهو السياسي في طريقة إدارة البلاد. وما ساعد استمرار الصدر في ذلك الحراك، هو تأييد الشارع العام لعملية اقتحامه المنطقة الخضراء وحرق صور المالكي ومقرّات حزب الدعوة بالجنوب.

لذا فإن حراك الصدر وأزمته مع الحكومة الحالية يُمكن اختصارها بعبارة صراع نفوذ على إزاحة الدعوة من صدارة البيت الشيعي، ومحاولة تحقيق إصلاحات فعلية في البلاد بمجالات عدة، تكون في نهاية إنجاز يحسب لصالحه شعبياً. غير أنه من غير المرجح أن تتطور تلك الأزمة الى مواجهات مسلّحة كما حصل عام 2008 في البصرة ومدن جنوبية أخرى، كما أنه من المؤكد أن حزب الدعوة سيقوم بتنفيذ إصلاحات يجدها واجبة، لرفع الحرج الذي يواجهه في الشارع العراقي، لكن ليس بالإصلاحات التي من الممكن أن تنهي الحالة العراقية المتعثرة، بسبب ما رسمه الاحتلال لها منذ عام 2003 وحتى اليوم.

المساهمون