ماكرون يواجه الاحتجاجات وعينه على رئاسيات 2022

ماكرون يواجه الاحتجاجات وعينه على رئاسيات 2022

18 يناير 2020
اعتقال صحافي كشف عن مكان ماكرون (لودوفيتش مارين/فرانس برس)
+ الخط -
في عز حراك "السترات الصفراء"، واندلاع "قضية ألكسندر بنعلا"، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "ليأتوا للبحث عني"، فحاول المتظاهرون التوجه إلى الإيليزيه، مرات عديدة، لكنهم جوبهوا بالقوى الأمنية، كما حاولوا "زيارة" مقر إقامته في الريف الفرنسي، وفي كل مكان يتواجد فيه هذا الرئيس الذي يُفضّل لقاء الناس على الاحتماء في معقله الرئاسي، كما فعل رؤساء جمهورية من قبله.

وليلة أمس، وبينما كان الرئيس متواجداً في مسرح "بوف دو نور"، لمشاهدة مسرحية "الذبابة"، وهي من إخراج فاليري لوسور وكريستيان هيك، استطاع الصحافي الفرنسي طه بوحفص (22 سنة)، الذي كان وراء الكشف عن العنف الذي مارَسَه حارس الرئيس ماكرون الشخصي، ألكسندر بنعلا، ضد متظاهرين في 1 مايو/ أيار 2018، أن يُطلع أكثر من 35 ألفاً من متابعيه على تواجد رئيس الجمهورية في المسرح مع زوجته. 

واستحضر الصحافي طه بوحفص، الذي يثير من حين لآخر حنق دوائر إعلامية يمينية فرنسية، خاصة بعد دوره النشط في تنظيم المسيرة الأخيرة ضد الإسلاموفوبيا في باريس، التي حضرها أكثر من 14 ألف شخص، وسخريته من كل الإسلاموفوبيين الفرنسيين، وعلى رأسهم مانويل فالس وفرانسوا هولاند، ووزير التربية الوطنية جان-ميشال بلانكي، ومارين لوبين وإيريك زمور، وألان فينكلكروت، وغيرهم، في تغريداته، التي نشرها، من داخل المسرح، الصحفيّ العراقي منتصر الزيدي، الذي رمى بحذائه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. 

وكتب ساخراً: "سأفعل معه "جورج بوش" بواسطة طائرتي "إير فورس وان""، وأضاف: "أنا أمزح فيما يخص جورج بوش، إن رجال الأمن ينظرون إليَّ بصفة غريبة..".

وعلى الفور تجمع العشرات من المتظاهرين الغاضبين يريدون التحدث إلى الرئيس، الذي أُخرج من المسرح لبعض الوقت قبل أن يعود لمواصلة العرض المسرحي، فيما تمّ إيقاف الصحافي طه بوحفص، ولا يزال معتقلاً، بتهمة "تنظيم تظاهرة غير معلنة"، ثم "المشاركة في تجمع بغرض ارتكاب عنف أو تخريب". 

وقد عبّر سياسيون من "فرنسا غير الخاضعة" عن انتقادهم لتوقيف الصحافي، وغرّد القيادي إيريك كوكريل: "في أي نظام سياسي نتواجد، كي يأمر رئيس غاضب من متظاهرين يطلقون ضده صيحات استهجان داخل مسرح، بتوقيف صحافي كان يتواجد في المسرح"، وتجرأ على الكشف عن وجود الرئيس.

كما كتبت النائبة البرلمانية عن نفس الحركة، دانييل أوبونو: "إنه صحافي. نقطة". 

بينما انتقده أنصار الرئيس ماكرون، ومنهم النائب جان باتيست مورو، الذي اعتبر أن هذا الصحافي "الناشط الإسلاموي" (كما وصفه) قام بـ"الدعوة لقتل رئيس الجمهورية". 

وفي حين أن صحيفة "ليبراسيون" أكدت أن خبر تواجد الرئيس في مسرح "بو دو نور" كشف عنه مصدر آخر، من قبل، وكان طه بوحفص هو المصدر الثاني.      

ويحاول الرئيس الفرنسي، الذي يَعرف الفرنسيون أنه خلف كل القرارات والإصلاحات في البلد فلا شيء يتم دون موافقته، أن يَظهر كما لو أن الأمور تسير بشكل طبيعي في فرنسا، رغم الإضراب المتواصل بقطاع النقل منذ 44 يوماً، والذي كلَّف الدولة أكثر من 1 مليار يورو، لحد الآن، ورغم استمرار تظاهرات "السترات الصفراء"، التي أنهت شهرها الرابع عشر، والتي تظاهرت اليوم للأسبوع الثاني والستين، ولا تزال متواصلة، ولا أحد يعرف متى تتوقف، والكثير من المراقبين يتوقعون أن تستمر طوال ولاية إيمانويل ماكرون الرئاسية.

وضمت التظاهرة عدة آلاف، كان بينهم العديد من موظفي السكك الحديدية، وعرفت بعض الاحتقان، مما تسبب في إيقاف القوى الأمنية لأكثر من 37 متظاهراً. 

واستعاد المتظاهرون الشعارات الأولى، التي تطالب باستقالة الرئيس ماكرون ووزير داخليته ووزير التربية الوطنية، مع التنديد بإصلاح نظام التقاعد، ومع التأكيد على الاستمرار في التظاهر حتى النهاية.

انتخابات 2022

كل شيء في حزب "الجمهورية إلى الأمام" مرتكزٌ  حول الرئيس، ويتم التعبير عنه من خلال "الوفاء" للرئيس. 

ومن هنا لا يمكن فهم الاستحقاقات الانتخابية، التي جرت، من قبل والقادمة، إلا من زاوية مساعدتها على إعادة انتخاب الرئيس سنة 2022، وعلى رأسها انتخاب عمدة في باريس موال للرئيس، وهو بنجامان غريفو.

وليس سراً أن انضمام المرشح اليميني بيير-إيف بورنازيل، من يمين وسط، إلى المرشح غريفو، يكشف اقتناع الرئيس بأن المعركة يمكن أن تُربَحَ بالاعتماد على اليمين، وهو ما يعني أن استنزاف اليمين مستمر، في ظل تقديمه للمرشحة رشيدة داتي، التي لا تثير كثيراً من الحماس في أوساط اليمين.  

ولا شك أن الرئيس إيمانويل ماكرون مرتاحٌ، وهو ما أكده سياسيون في اليمين واليسار، بإعلان مارين لوبان، قبل يومين، عن نيتها في الترشح لرئاسيات 2022، وفي ظل غياب مرشح يميني أو يساري قادر على إفشال إعادة تنظيم مبارزة 2017 بين ماكرون ولوبان.

ولهذا لاحَظ المراقبون الطريقة المُهينة التي تعاملت معها الحكومة الفرنسية، بعلم من الرئيس إيمانويل ماكرون، مع سيغولين روايال، فيما يخص إقالتها من منصب "سفيرة فرنسا في القطبين الشمالي والجنوبي"، وهي إقالة اطلعت عليها المعنية بالأمر في وسائل الإعلام. 

ويبدو أن حرية الكلام التي كانت تتمتع بها الوزيرة السابقة والمرشحة السابقة لرئاسة الجمهورية سيغولين روايال، والتي واصلتها أثناء توليها منصب السفيرة، وهو منصب بدون راتب، من خلال انتقادها لبعض الإصلاحات الحكومية، ليست وراء هذه الإقالة. بل إن الرئيس ماكرون يخشى، في حقيقة الأمر، ترشح هذه الاشتراكية، القادرة على فرض نفسها على حزب لم يستفق بعد من صدمة الانتخابات الرئاسية السابقة، والتي حصد فيها أقل من 7 في المائة. 

كما يخشى أن تستعيد سيغولين روايال في حال ترشحها، والرغبة موجودة باعترافها، ثقة وأصوات كل الاشتراكيين الذين خيّب ماكرون آمالَهم، والذين لم يستطع جان لوك ميلانشون إقناعهم باللحاق به. 

وقد شددت سيغولين روايال، في اللقاءات الأخيرة مع الإعلام، بعد نشر خبر إقالتها، على أن الرئيس ماكرون خيّب آمال كثيرين من الفرنسيين، بسبب سياسته المتسلطة.

نفس هذا التسلط لدى الرئيس إيمانويل ماكرون، وخاصة موقفه من سيغولين روايال، انتقده الرئيس السابق فرانسوا هولاند، بالقول: "إنها، أي سيغولين روايال، تستحق الاعتراف بما أنجزته" في ميدان الإيكولوجيا. واعتبر أن تسريحها الذي سيؤكده المجلس الحكومي، الأربعاء المقبل، "ينقصه الذوق والاعتراف بالجميل".