ليبيا بين الاستقرار والصراع السياسي (1 -2)

ليبيا بين الاستقرار والصراع السياسي (1 -2)

01 ابريل 2014

مسلحون في ليبيا

+ الخط -

شهدت خيارات الانتقال السياسي في ليبيا جدلاً واسعاً في الشهرين الماضيين، وسار الصراع بين توجيه وإدارة انتقال السلطة من خارج الإطار الدستوري القائم، وإجراء تعديلات دستورية، تتلاقى مع المطالب السياسية، وخفض الضغوط على المؤتمر الوطني. وفي هذا السياق، ظهرت مواقف من أطراف عدة، تعكس التأرجح بين الخيارات المطروحة، ما يثير نقاشاً بشأن المسارات المحتملة، في ظل التنافس بين مساري وقف المؤسسات وإعادة بنائها، أو إجراء تصحيحات السياسات الانتقالية واستكمالها.

موجات التهديد
ومنذ شهر يناير/ كانون ثاني الماضي، بدأت محاولات لفرض مسار الانتقال من خارج مؤسسات الدولة، فمع اقتراب السابع من فبراير/ شباط، وهو ذكرى انطلاقة الثورة الليبية، اشتدّت الحملات السياسية على "المؤتمر الوطني"، بحيث صار إسقاطه حلاً وحيداً لدى أطراف عدة، في مقدمتها قيادات في "التحالف الوطني" ومساعي اللواء خليفة حفتر لتعطيل الإعلان الدستوري.
اندلعت الموجة الأولى من العمليات المسلحة في الجنوب الليبي، بين "أولاد سليمان" ومسلحين ينتمون لجماعة "التبو"، وأثارت هذه المعارك الانتباه إلى تهديداتٍ تواجه استمرار عمل المؤسسات السياسية، ما استدعى صدور قراراتٍ، من رئاسة الوزراء والمؤتمر، بتوجيه الجيش وكتائب الثوار لحماية المؤسسات في الجنوب.
وظهرت تفسيرات عدة لاندلاع هذه المعارك، لعل من أَهمها ما يتعلق ببدء تقويض الدولة من المنطقة الرخوة والمضطربة، حيث تناولت أخبار أَن المعارك شاركت فيها أطراف كثيرة، تنتمي إلى النظام السابق، وتم الترتيب لها بشكلٍ يؤدي إلى انتشار التوتر في مناطق أخرى، غير أن الجيش و"الدروع" تمكنوا من السيطرة على الصراع، وحماية مقرات الأمن والجيش، ولعل النتيجة المباشرة للخطوة تتمثل في إحباط محاولة نقل الصراع إلى عمق البلاد، ومنع وصوله إلى السواحل الليبية.

بيان حفتر
وفي 14 فبراير/ شباط، وجه خليفة حفتر بياناً، دعا فيه إِلى تجميد عمل الحكومة والمؤتمر والإعلان الدستوري، من أجل "إنقاذ" البلاد، وأَشار فيه إِلى تحرك قوات في طرابلس (العاصمة) للسيطرة على مقرات الحكومة، وهي لغة خطابية، لا تخلو من الحل العسكري، وإزاحة المؤسسات بوسائل عنفية، وباستخدام السلاح. وعلى الرغم من عدم وجود حفتر ضمن تشكيلات الجيش، إِلا أَن دعوته لقيت انتشاراً واضحاً في وسائل الإعلام، وتم ترويجها على نطاق واسع، كبيان عسكري، يستطيع تحريك القوات لتنفيذ خطة الانقلاب. وهنا، يبدو غموض كثير بشأن دوافع ترويج تحركات حفتر، على الرغم من عدم تمكنه من بناء تحالف سياسي أو عسكري.
وشمل بيان خليفة حفتر مطالب عدة؛ فإلى إصلاح الجيش، تناول فكرة أن تصحيح المسار السياسي يكون بتجميد المؤسسات الدستورية في الدولة الليبية، كالمؤتمر الوطني والحكومة والإعلان الدستوري.
وبعد تصريحات حفتر، سارت تحركاتٌ سياسيةٌ لتجميع مناصرين من المنطقة الشرقية، وسرت، في الوقت نفسه، أخبار عن تحركات مسلحين وكتائب في بعض المدن، بغرض إثارة القلق بشأن الوضع الأمني، وتتنامى مشكلات الأمن بشكل خاص في المنطقة الشرقية التي صارت مضطربة، وتشكل تحدياً لحفظ الدولة الأمن ورعاية المواطنين.
وعلى الرغم من حديث بيان خليفة حفتر عن إجراء عملية انتقالية مثيرة للجدل، لم يتضح الأفق الدستوري لبناء مؤسسات الدولة، وهو ما يدخل البلاد في فترة مفتوحة للصراع على السلطة، وبشكل قريب للفوضى، فقد تضمنت بنود البيان الإعلان عن تأسيس هيئة رئاسية مؤقتة، يترأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء، تناط بها الاختصاصات السيادية والتشريعية، وتكليف شخصية وطنية لتشكيل حكومة مؤقتة، وتشكيل مجلس للدفاع الوطني، يتبع هيئة الرئاسة، ويتولى المهام ذات الطبيعة العسكرية والأمنية، والتفعيل الفوري للقضاء والمؤسسات العدلية، وتحقيق مقتضيات العدالة الاجتماعية، وتوفير الظروف المناسبة للعدالة الانتقالية.
وثار جدل حول بيان حفتر، ما بين اعتباره محاولة انقلاب على مؤسسات الدولة وطرحه مبادرة، ويعكس هذا الجدل حالة السيولة في السياسات الليبية، وعلى الرغم من أن البيان يتضمن مطالب إصلاحية، فإن طريقة ظهوره بخلفية عسكرية، ودعوته لتجميد مؤسسات الدولة، يزيح صفة المبادرة عن البيان الذي ألقاه حفتر في 14 فبراير/شباط، فالبيان يماثل صيغ الإعلانات العسكرية التي تنقلب على الدستور، حيث تذكر مطالب إصلاحية، لكنها تخلص لتعذر تحقيقها في ظل الحكومة القائمة، ما يدعوها إلى إطاحة الحكومة حلاً أخيراً.

إنذار القعقاع
وكانت الموجة الثالثة في صدور ما يشبه الإنذار من لواء "القعقاع"، والذي أمهل المؤتمر الوطني خمس ساعات لتسليم السلطة، وأَن استمرار المؤتمر بعد انقضاء هذه الفترة يعد اغتصاباً للسلطة، وهي كانت بمثابة تهديد مباشر لأعضاء المؤتمر، لإجبارهم على الاستقالة، أَو ملاحقتهم قضائياً، كمتمردين على مصالح الدولة. وإزاء حدة البيان، حدثت ردود فعل من المجالس العسكرية للثوار، المجتمعة في زليتن والمجالس العسكرية لبعض المدن، ورأَت أَن إنذار "القعقاع" و"الصواعق" يهدد كيان الدولة ومكتسبات الثورة.
وتبدو أهمية النظر لصدور بيان "القعقاع" و"الصواعق"، في 18 فبراير/شباط، محاولة فرضه كإنذار وتهديد لأعضاء المؤتمر الوطني، ولعل تفسير هذا التتابع بين الاحتفال وصدور الإنذار يكشف عن تحديات تواجه عملية بناء مؤسسات الدولة، فهو يثير جدلية البحث عن إطار قانوني وتوافقي، لتسوية الأزمة، أو تسويتها خارج الإطار السلمي وتحت التهديد. ولعل دلالة توالي بيان "القعقاع" بعد احتفالات الثورة يوضح التباعد مع احتفالات مرور ثلاث سنوات على اندلاع الثورة، والانهماك في طرح بدائل جديدة.
لعل النقطة الجوهرية في بيان "القعقاع" تكمن في توجيه الإنذار لأعضاء المؤتمر، وتهديد من يستمر في عضويته، وتؤدي هذه المسألة إلى انتشار الصراع الاجتماعي على مستوى الدولة.
معضلة التقويض والبناء.
على الرغم من تتابع هذه الموجات، واقتحام مقر المؤتمر الوطني في بداية مارس 2014، تبدو أهمية تفسير الأبعاد المختلفة لمسار الأزمة، واحتمالات تسويتها، فقد جاء الاحتفال بثورة فبراير/شباط مثل لحظة عابرة، لفتت الأنظار بعيدا عن الصراع السياسي. وكشفت الاحتفالات عن جموح الرغبة في استكمال المسار الثوري، والحفاظ على المكتسبات الديموقراطية، فخلال يوم الاحتفالات، في 17 فبراير، انصرفت الجماهير إلى التركيز على الجوانب الإيجابية التي شهدتها البلاد. وكان لافتاً غياب التوترات عن ساحات الاحتفال، وبشكل يثير قدرة المجتمع على تحقيق الانضباط الذاتي، والسيطرة على الانفلات والخروج على القانون.

التحالف الوطني
وعلى الرغم من أن موقف التحالف الوطني يميل إِلى إِجراء تعديلات دستورية، فإنه تضامن مع حملات سياسية وإعلامية، تطالب بحل "المؤتمر" تحت شعارات "لا للتمديد"، واعتبر أن المؤتمر ليس له أساس دستوري بعد 7 فبراير/ شباط، وتلاقت مواقفه مع بيانات صادرة عن لواء "القعقاع"، حيث تقارب الخطاب السياسي في انتهاء شرعية المؤتمر مع خلاف في التفاصيل بشأن كيفية الانتقال إلى المرحلة التالية. وكان الاتجاه العام للتحالف يجمع بين دعم حالة الاحتجاج واستمرارها، للضغط على "المؤتمر" للقبول بخريطة طريق سريعة، تنهي أوضاعه في أقرب وقت ممكن. ومع صدور إنذار "القعقاع" المؤتمر الوطني في 18 فبراير/ شباط، اتجه التحالف (محمود جبريل) إلى إعادة تفسير موقفه السياسي، حيث أَكد على جانبين؛ أَن الحراك الشعبي احتجاج على أداء المؤتمر، وأن الدولة تحتاج لتعديلاتٍ دستورية، تستوعب المطالب الشعبية.

 

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .