لوكاشينكو يزور روسيا: تنازلات سياسية مقابل دعم بقائه؟

لوكاشينكو يزور روسيا: تنازلات سياسية مقابل دعم بقائه؟

14 سبتمبر 2020
لم تتوقف الاحتجاجات منذ الشهر الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

في أول زيارة خارجية منذ اندلاع الاحتجاجات الرافضة لإعادة انتخابه لولاية رئاسية سادسة قبل نحو شهر، يقوم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، اليوم الإثنين، بزيارة عمل إلى روسيا، وسط توقعات بأن تشهد محادثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين مساومات حول التنازلات السياسية والاقتصادية التي قد يقدمها لموسكو مقابل دعمه للبقاء في السلطة. وبحسب بيان نشر على الموقع الرسمي للكرملين، فإن الزيارة التي تم تعديل وجهتها من موسكو إلى منتجع سوتشي جنوبي البلاد، ستتناول القضايا الرئيسية للتنمية المستقبلية لعلاقات التحالف والشراكة الاستراتيجية، مع تركيز خاص على تحقيق مشاريع مشتركة كبرى في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة، والتعاون الثقافي - الإنساني، والترويج لمشاريع التكامل في إطار دولة الاتحاد بين البلدين.


يخشى الكرملين من تغيير السلطة في بيلاروسيا وأن يتكرر هذا السيناريو داخل روسيا

وفي هذا الإطار، رجّح نائب رئيس حركة "من أجل الحرية"، المرشح المعارض في انتخابات الرئاسة البيلاروسية في عام 2010، أليس ميخاليفيتش، أن يتوجه لوكاشينكو إلى موسكو بحثاً عن دعم مالي عاجل يساعده في البقاء في السلطة، معتبراً في الوقت نفسه أن التنازلات التي سيقدمها مقابل ذلك لن تدوم طويلاً، وأن روسيا تدرك ذلك. وأضاف ميخاليفيتش في حديث لـ"العربي الجديد" عشية الزيارة: "يتوجه لوكاشينكو إلى موسكو بهدف الحصول على أموال سريعة من أجل الحفاظ على السلطة، وكذلك لتلطيخ بوتين أمام الجمهور بجرائمه ووضع الجزء الأكبر من المسؤولية على عاتق موسكو".

وحول دوافع موسكو لتقديم دعم للوكاشينكو على الرغم من إدراكها هشاشة مكانته داخلياً، قال ميخاليفيتش: "يخشى الكرملين من تغيير السلطة في بيلاروسيا نتيجة التظاهرات الشعبية وأن يتكرر هذا السيناريو داخل روسيا. إلا أن التنازلات التي سيقدّمها الرئيس غير الشرعي لن تكون مستقرّة وطويلة الأجل، وروسيا تدرك ذلك جيداً".

وتساءلت وكالة "ريغنوم" الروسية هي الأخرى عما إذا كان هناك بين أيدي لوكاشينكو ما يستطيع تقديمه لموسكو وتعزيز مواقعه التي تراجعت كثيراً بعد انتخابات 9 أغسطس/ آب الماضي. وفي مقال بعنوان "لا حفاظ على السلطة بالقوة: لوكاشينكو ليس لديه ما يحضره إلى موسكو"، اعتبرت الوكالة أن لوكاشينكو ارتكب نفس أخطاء الرئيس الأوكراني الأسبق الهارب فيكتور يانوكوفيتش، لجهة "إنماء معارضة موالية للغرب تسعى اليوم لاعتلاء موجة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لنتائج التصويت المشكوك فيها"، وإطلاق "عمليات البلرسة (فرض اللغة البيلاروسية في تعاملات مختلفة مع خفض الاعتماد على اللغة الروسية وروسيا بشكل عام مثلما جرى في أوكرانيا) بالقوة التي أثارت رفض المجتمع البيلاروسي"، في إشارة إلى أعمال لوكاشينكو في السنوات الماضية الرامية إلى خفض مستوى العلاقات مع موسكو.

وذكّرت الوكالة أن لوكاشينكو كان مستعداً عند توقيف 33 مواطناً روسياً للاشتباه في انتمائهم إلى شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة في نهاية يوليو/ تموز الماضي، لاتهام موسكو بتدبير محاولة انقلاب في بيلاروسيا، مرجّحة أنه لن يتسنى له فتح صفحة جديدة في العلاقات مع موسكو بسهولة.

ووصفت حال بيلاروسيا من الجهة السياسية بعد الانتخابات بأنها "بلد منقسم إلى معسكرين عشية الميدان (احتجاجات أوكرانيا 2013 ـ 2014)، ويحتج فيه عشرات آلاف الأشخاص منذ أكثر من شهر"، محمّلة السلطة البيلاروسية الحالية لا المعارضة والمجتمع، المسؤولية عما آلت إليه الأمور.

وعلى الصعيد الاقتصادي، لفتت الوكالة إلى أن نصيب الفرد في الناتج المحلي بلغ في العام الماضي نحو 6600 دولار فقط، ما يعني عودته عقداً إلى الخلف؛ إلى عام 2008، عازية ذلك إلى قيام موسكو بخفض إمدادات النفط التي شكّلت سابقاً سنداً لما أطلق عليه "المعجزة الاقتصادية البيلاروسية". وتوقعت إما قبول لوكاشينكو بعد أشهر بكل شروط الكرملين، وإما سترشح النخب البيلاروسية شخصية جديدة خلفاً له، معتبرة أن مستقبل الجمهورية هو مسألة خيار نخب بيلاروسيا وشعبها.


موسكو ستربط دعم لوكاشينكو في أزمته الداخلية بتعزيز التكامل مع روسيا

تجدر الإشارة إلى أن قمة اليوم ليست أول لقاء روسي بيلاروسي رفيع المستوى منذ بدء الاحتجاجات، إذ سبق لرئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، أن زار العاصمة البيلاروسية مينسك في 3 سبتمبر/ أيلول الحالي، وعقد محادثات مع لوكاشينكو ورئيس حكومته رومان غولوفتشينكو.

وفي ختام المحادثات، أعلن ميشوستين إحراز تقدم في ما يتعلّق بمستقبل دولة الاتحاد، فيما أكّد لوكاشينكو هو الآخر استعداد مينسك لمواصلة التكامل مع موسكو وتفعيل المشاريع كافة في إطار دولة الاتحاد، مما زاد من قوة الترجيحات بأن موسكو ستربط دعم لوكاشينكو في أزمته الداخلية الراهنة بتعزيز التكامل مع روسيا.

يذكر أن بيلاروسيا تشهد منذ أكثر من شهر احتجاجات حاشدة رفضاً لإعلان فوز لوكاشينكو بنسبة 80 في المائة من الأصوات، مقابل 10 في المائة فقط لمنافسته الرئيسية، سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي غادرت البلاد بعد الانتخابات. ومن العوامل التي أدت إلى توسعة رقعة الاحتجاجات، دور التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن نطاق التزوير والمخالفات أثناء عملية التصويت.

المساهمون