لن أقرأ خواطر العروي

27 فبراير 2015
+ الخط -
صدر، قبل أيام، عن المركز الثقافي العربي، كتابٌ جديد للمفكر المغربي عبدالله العروي، عنوانه (خواطر الصباح 2007-1999: المغرب المستحب أو مغرب الأماني). وكما هو واضحٌ، ينتمي الكتاب إلى جنس اليوميات. ويمثل الجزء الرابع في صنفه، إذ سبق للكاتب أن أصدر في العام 2000، بالعنوان نفسه (خواطر الصباح)، ثلاثة أجزاء من يومياته من سنة 1976 إلى سنة 1999.
وفضلاً عن كتابة اليوميات، يعتبر صاحب (مفهوم العقل) من الكتاب الذين يُزاوجون بين التأليف الفكري، والنظري، والتاريخي، وبين أنواع أخرى من الكتابة ذات الأفق التخييلي، إذ سبق أن أصدر منذ 1971 نصوصاً روائية، منها (الغربة)، و(اليتيم) و(الفريق) و(أوراق). والكتاب الجديد شكلّ خلفية متابعات إعلامية عديدة، انطلاقاً من مادته المُغرية، والمكتوبة بلغة بسيطة، والتي تتناول فترة قريبة في التاريخ السياسي الراهن. ولهذا النوع من الكتابات أهميته على مستوى التلقي، خصوصاً في علاقته بالوضع الاعتباري الخاص الذي يحتله الكاتب، وهو المُقِلّ أساساً على مستوى الحضور العمومي، أو على مستوى متابعة الوضع السياسي وتطوراته المتتابعة، كما كان الشأن، مثلاً، بالنسبة للراحل عابد الجابري. ففي واحدٍ من حواراته القليلة، سيشتكي عبد الله العروي من الشطط في التأويلات التي تتعرض له مقالاته غير الفكرية، والأقرب الى التناول الصحفي العابر.
كان ذلك في أواسط التسعينيات، حيث نُشر الحوار في مجلة "آفاق" التي يصدرها اتحاد كتاب المغرب، والواقع أن العروي كان يُلمح الى مقالٍ شهيرٍ له، صدر في مؤلف جماعي، ضمن سلسلة "تشييد دولة عصرية" التي كان يُشرف عليها وزير الداخلية المغربي الشهير، إدريس البصري، وتضمن ذلك المؤلف الذي خُصص للاحتفاء بدستور 1992، نصّاً ناقش فيه العروي مُجمل التطورات الدستورية التي عرفتها المملكة المغربية منذ الاستقلال.
في الحوار نفسه، سيقيم صاحب "الأيديولوجيا العربية المعاصرة"، مقارنة بين ما يقعُ له وما كان يحصُل للمفكر الفرنسي ريمون آرون، عندما يُناقش ويُحاجَجُ في اللقاءات الفكرية بمقالاته في جريدة لوموند، أكثر مما يُناقش انطلاقاً من أبحاثه وكتبه.
بعد ذلك بسنوات، وعندما ستستضيفه القناة المغربية الثانية، في برنامج مليكة ملاك "في الواجهة"، لمناقشة حدث التناوب التوافقي، سيلتقط الإعلامي والوزير السابق، محمد الكحص، والذي كان حاضراً لمُحاورته، جوهر الإشكالية، ليسأله، في بداية الحلقة، عن شعوره مع هذا الانتقال العارض من سجلٍ الكتابة والتأمل و"العمق"، وهو سجِلٌ له زمنه الخاص، إلى سجِلّ التلفزة والصورة، وهو سجلٌ مبنيٌ على السرعة والاختصار، و"السهولة "ربما.
إنها حالة المُفكر مع إشكالية التلقي، خصوصاً عندما يختلف سياق إنتاج الأفكار والتحاليل
موضوع هذا التّلقي، ولا يرتبط دائماً بهاجس التأمل النظري والفكري بكل شروطه المنهجية، أو عندما يختلف الجمهور المُستهدف، و"يضطر" المفكر للتواصل مع أوسع ما يمكن من النّاس.
والغالب أن الوعي الحّاد بهذه الإشكالية، قد يكون ما دفع عبدالله العروي إلى الامتناع عن تعريب كتابه /شهادته، حول "مغرب الحسن الثاني"، توجساً من خلق أي سوء فهمٍ مع توقعات جمهوره القارئ باللغة العربية.
يشعُر المفكر، إذن، بالغبن، وهو يرى أمامه سطوة وانتشار تأويلاتٍ سياسية ومختزلةٍ، لأفكارٍ صاغها على عجلٍ، في حوار بالجريدة، أو في مقالٍ سريع ومناسباتيٍ، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواضيع مُعقدة، كالعادة، احتاج لكي يُعالجها، ولكي يقارب إشكالاتها، في مؤلفاته النظرية، صفحاتٍ وفصولا كاملة.
إذا كان الأمر يتعلق، هنا، بالإرباك الذي قد ينتجه المرور "الإعلامي" للمفكر، سواء عن طريق الصورة أو المقالة أو الحوار، فماذا عن إشكالية تلقي يومياته وخواطره؟
ما الذي يكتبه المؤلف في خواطره؟ أليس مجرد انفعالات اللحظة وهواجس الذات؟ وحتى عندما يتعلق الأمر بيوميات تنشغل بالسياسة، بأحداثها الوطنية والعربية والدولية، فإن زاوية المعالجة لا تصل إلى درجة صياغة تحليل سياسي، أو بناءٍ موقف مما يقع، ولن تنطلق في النهاية، من أكثر من التفاعل السريع والفوري مع الأحداث، ومن استحضار المواقف الذاتية من الأشخاص والوقائع.
من حق المفكر أن يقتسم مع قرائه يومياته، فهو يقدمها كما هي: مُجرد خواطر، ليست كتاباتٍ في المفاهيم ولا في التاريخ ولا في النظرية. لكنه مع ذلك لن يستطيع أن يمنع حجم التشويش الذي قد تمارسه بعض هذه الخواطر واليوميات، على مُجمل أفكاره وأطروحته.
لذلك كله، أفضل أن لا أقرأ "خواطر الصباح " للأستاذ عبد الله العروي، حتى لا تشوش في ذهني يومياته الصباحية "الطازجة"، على مفاصل مشروعه الفكري المُختمر.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي