لماذا لا يهاجر الفقراء الحقيقيون إلى أوروبا؟

لماذا لا يهاجر الفقراء الحقيقيون إلى أوروبا؟

17 نوفمبر 2016
(في سيراليون)
+ الخط -

بلدٌ يقع في قلب أفريقيا، يخضع شعبه لأقسى ظروف معيشية، ولا يتضور جوعًا في العالم أحد أكثر من سكانه؛ أعمارهم في المتوسط لا تتجاوز الخمسين. يموت الآلاف منهم نتيجة الصراعات الدامية بين المليشيات المسيحية والمسلمة، كما يسجل هذا البلد أحد أعلى معدلات الإصابة بفايروس الإيدز في العالم. إنها جمهورية أفريقيا الوسطى صاحبة المرتبة الأخيرة لعام 2015 حسب مؤشر الجوع العالمي.

يملك سكانها الكثير من الأسباب الحقيقية لمغادرة بلدهم بعبور البحر الأبيض المتوسط وصولًا إلى أوروبا، مع ذلك نكاد لا نعثر على لاجئ واحد من جمهورية أفريقيا الوسطى مسجل في أوروبا. الحال لا يختلف كثيرًا في دول مصنفة من قبل مؤشر الجوع العالمي، مثل سيراليون والنيجر وتشاد. لكن على الأغلب، لا يصل أحد من سكانها إلى أوروبا. إذن، لا بدّ من وجود سبب.

ببساطة، السبب يعود إلى شدة الفقر؛ حيث لا يستطيع أحدهم تدبير تكاليف التهريب إلى أوروبا. بعضهم يستطيع توفير مبلغ تهريب ضئيل يمكّنه من النزوح إلى الدول الأفريقية المجاورة. هناك 20 مليون أفريقي نازح في قارة أفريقيا، ويتضمن ذلك نصف مليون شخص من جمهورية أفريقيا الوسطى وحدها؛ أي ما يعادل 10 بالمائة من مجموع السكان.


أربعة أطباء لكل 100 ألف شخص
الدول التي تستقبل أولئك النازحين هي الكاميرون وجمهورية الكونغو أو تشاد، وجميع تلك الدول مصنفة ضمن الربع الأدنى في قائمة مؤشر الجوع العالمي. يقدم المؤشر معلومات سنوية حول الوضع الغذائي في البلدان النامية والبلدان الناشئة، وبالطبع فإن نتائج دول الربع الأدنى تشكل قلقاً كبيرًا بالنسبة لمنظمات الإغاثة العالمية والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية والتنمية. يعيش النازحون في تلك البلاد تحت ظروف غير مستقرة؛ فقلّما يجدون قوت يومهم ولا تتاح لهم فرص عمل، إضافة إلى صعوبة الحصول على الرعاية الطبية. في تشاد، مثلاً، هنالك أربعة أطباء فقط لـ 100 ألف شخص، بينما في ألمانيا عدد الأطباء لمثل هذا العدد من سكانها يصل إلى مئات الأضعاف، ومع ذلك لا يزال الناس ينزحون إلى تشاد، عدد اللاجئين فيها بلغ 369.500 لاجئ، أي كل 1000 مواطن تشادي يقابله 26 لاجئًا.

اللاجئون الأفريقيون الذين وصلوا إلى أوروبا عبر البحر الأبيض لم يأتوا من سيراليون وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى، معظمهم قدم من إرتريا ونيجريا والسودان؛ أي أن قرابة نصف المهاجرين عبر البحر من أفريقيا إلى أوروبا جاؤوا من هذه البلدان الثلاثة.


لم شمل
إضافةً إلى الحروب الأهلية في تلك البلدان؛ فإن عامل الفقر الشديد يحول دون هجرة الناس بأعداد كبيرة عبر البحر إلى أوروبا. إن دخل الفرد الواحد في نيجيريا يعادل عشرة أضعاف الفرد في أفريقيا الوسطى. مع ذلك، تقوم الأسر بدفع كل ما ادّخرته على مدى سنين طويلة فقط لتتمكن من إرسال فردٍ واحدٍ إلى أوروبا، وبطبيعة الحال تعقد آمالها باللحاق به، أو على الأقل بحصولها على شيء من المال الذي كسبه الفرد هناك.

إن البلدان الأفريقية المجاورة التي يلجأ إليها سكان أفريقيا الوسطى تعدّ أفضل إلى حد ما، لكن هذا لا ينفي حقيقة معاناتها من المجاعات والفقر. يقول رئيس المنظمة الألمانية للغذاء حول العالم، بيربل ديكمان، إنّ الحروب الأهلية دفعت أولئك الأشخاص إلى الهروب من بلدهم للنجاة بأنفسهم وذويهم حيث الأمان مطلبهم الأول.


أزمة اللجوء
تدفق اللاجئين إلى أي دولة يؤدي بلا شك إلى حدوث اضطرابات فيها. يقول كلاوس فون غريمبر من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية والتنمية، إن إقبال المهاجرين على أي دولة يزيد من الضغط على بنيتها التحتية.

لهذا السبب، يدعو ديكمان إلى دعم الدول المستقبلة للاجئين للحفاظ على استقرارها. ويتضح ذلك في تجربة النيجر التي استقبلت اللاجئين القادمين من نيجيريا هربًا من بوكو حرام. فمنذ زمن، تصنف النيجر على أنها بلد فقير؛ أما الآن فأصبحت مهددة بالانهيار.

أنجيلا ميركل تعد أول رئيسة حكومة ألمانية تزور النيجر. يرى ديكمان ذلك كخطوة أولى ضرورية وإيجابية. أنجيلا ميركل أمنت المساعدة لهذا البلد لمصلحة نظامها؛ ففي النهاية لن يأتي لاجئون من النيجر، لأن سكانها فقراء؛ لكنها بلد الترانزيت الأول للاجئين من بلاد أغنى.



(المقال الأصلي لـ فليكس سومرفيلد Felix Sommerfeld)