لجوء في مرسيليا...إسكان حكومي في مناطق الجريمة

لجوء في مرسيليا... إسكان حكومي في مناطق الجريمة

27 اغسطس 2018
إسكان اللاجئين في المناطق الحساسة يعيق اندماجهم (Getty)
+ الخط -
وصل العشريني السوري شكري محمد إلى مدينة مرسيليا جنوبي فرنسا في أواخر عام 2016، ومن وقتها لم يستقرّ في سكن دائم، إذ يتم نقله إلى مركز إيواء لاجئين مختلف شهرياً، لكن الأسوأ من ذلك ما جرى له عقب نقله إلى أحد مراكز اللجوء في منطقة bougenville التي تنتشر فيها الجريمة، حتى إنه كان مهدداً بالموت بسبب سيجارة رفض إعطاءها لرجل في حي flix bayt، إذ قال "حتى الآن علامات الضرب بالسكاكين ما زالت في قدمي، أتساءل في كثير من الأحيان لماذا أتيت إلى هنا؟".
معاناة شكري ليست حالة متفردة، إذ يؤكد مركز استقبال طالبي اللجوء الفرنسي "الكادا" أن 60 في المائة من اللاجئين الجدد (سوريين وعراقيين) يتم إسكانهم في مناطق حساسة جداً، حسب وصف ديلير دو بونت، المسؤول عن خدمة إسكان طالبي اللجوء في المركز بمرسيليا، ومن بين هذه المناطق الأحياء الشمالية في مرسيليا، المصنفة كعاصمة للجريمة وأخطر مدينة فرنسية من قبل الدائرة الإحصائية للإدارة الوطنية للأمن الداخلي (SSMSI)، وفق التقرير الصادر في 7 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2017.
 
 
 

العيش في الجحيم

أحصت الشرطة الفرنسية 166077 جريمة وقعت خلال عام 2017 ، بحسب تقرير معدل الجريمة في عام 2017، الصادر عن قيادة الشرطة في منطقة (بوش دو رون)، المنطقة التي تشمل مدينة مارسيليا وما حولها (مارسيليا هي عاصمة منطقة بوش دو رون التابعة لإقليم بروفنس ألب كوت دازور)، ووقع أغلب هذه الجرائم في الأحياء الحساسة في مدينة مرسيليا المقسمة إلى 15 منطقة، أخطرها المناطق الشمالية 13 و14 و15، التي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن مركز المدينة ويقطنها كثير من عصابات الجريمة المنظمة، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في منطقة بوش دو رون 2423 لاجئاً ولاجئة، بحسب المعلومات التي حصل عليها معدّ التحقيق من منظمات أهلية تعمل على استقبال اللاجئين ومساعدتهم في عملية الاندماج، ويعلل الكادا وضع العديد من اللاجئين في هذه الأحياء بأن مجمعات السكن الاجتماعي بمعظمها موجودة في هذه المناطق، مشيراً إلى أن معظم الأسر تطلب بيوتاً تناسب عدد أفرادها، وهذه المنازل غالباً ما تتوفر في هذه الأحياء، فضلاً عن رخص المعيشة هناك.
 
 
 

انعدام الأمان

وقعت 149 جريمة قتل عمد في آخر سنتين في مرسيليا ومحطيها، بحسب قيادة الشرطة في إقليم "بوش دو رون"، وأغلب هذه الجرائم وقع في الأحياء الخطيرة أو المصنفة أحياء حساسة من قبل الحكومة الفرنسية، والتي يتم إسكان اللاجئين فيها، ما يجعلهم يخشون على حياتهم، ومن بينهم الستينية العراقية أم جون التي تم إسكانها في حي ناسيونال (قريب من مركز المدينة) في مرسيليا منذ 4 أعوام، والتي تقول: "ذات مرة هاجمني ثلاثة شبان من أبناء الحي وسلبوا مني سلسلة ذهب ثمينة فيها صليب وقاموا بدفعي على الأرض، ولم أستطع تقديم شكوى للشرطة، خوفاً من انتقام أصدقائهم وأهلهم في الحي".

الأمر لا يقتصر على الشارع، ففي وسائل المواصلات العامة يواجه بعض اللاجئين كثيراً من المضايقات، ومن بينهم هالة الشابة السورية التي تبلغ من العمر 18 عاماً، والتي قالت: "في إحدى المرات تعرضت للتحرش من 5 شباب في الحافلة، على الرغم من أنني كنت برفقة أخي الصغير، وعندما بدأت بالصراخ توقف السائق وطلب منهم النزول، فما كان منهم إلا التقاط الحجارة من الشارع وتكسير الزجاج".
 
 
 

العنف في المدارس

أن تسكن عائلات اللاجئين في الأحياء الحساسة في مارسيليا فهذا لا يؤثر على مستوى الأمان فقط، إذ تعاني العائلات على مستوى تعليم أبنائها أيضاً، نظراً إلى أن المدارس تعجّ بالفوضى والعنف، بحسب شهادات أبناء 5 عائلات سورية وعراقية التقاها معدّ التحقيق في مرسيليا، من بينهم السوري حازم الحامد الذي يبلغ من العمر 16 عاماً، والذي يدرس في مدرسة روزا بارك في المنطقة 15، ويقول حازم "في يومي الأول صعقت عندما سمعت إحدى التلميذات تشتم المعلمة بأقذر الشتائم والمعلمة لا تستطيع الرد عليها! عندها كنت مصدوماً جداً، ولكن بعد هذا الموقف أصبح الأمر اعتيادياً"، ويضيف "تخيل أن هناك طلاباً يبيعون الحشيش في داخل المدرسة!".

ويحاول المعلمون والإدارة احتواء العنف والفوضى ولكن من دون جدوى، كما يقول المعلم جوليان زادي، مضيفاً "جربنا في مدرسة روزا بارك العديد من الوسائل للتعامل مع عنف الطلاب ولكن من دون جدوى".

وتابع "كما تعلم يمنع اصطحاب الهواتف المحمولة إلى المدرسة، ولكن عندما نحاول منع الطلاب من إحضارها أو نصادرها يقومون بمهاجمتنا. في إحدى المرات صادرت زميلتي هاتف طالبةٍ من أبناء الحي الخامس العشر، وبعد انتهاء الحصة طالبت الفتاة بهاتفها وعندما رفضت المعلمة، لإصرارها على حضور ولي أمرها للحصول على الهاتف، هجمت عليها وضربت رأسها بالحائط، مما اضطرنا لنقلها إلى المشفى بشكل فوري".

وعلى الرغم من إرسال رسالة من قبل ممثلي نقابة المعلمين في مرسيليا إلى وزير التعليم عقب الحادثة لإعلامه بارتفاع معدل العنف في المدارس الموجودة في هذا القطاع من المدينة، ومطالبة المعلمين بممارسة حقهم في الانسحاب من التعليم في المدارس التابعة للأحياء الخطيرة أو الحساسة، حسب وصف الحكومة الفرنسية، لم يتغير شيء، بحسب ما يقول جوليان.

صعوبة الاندماج

يشكّل قرار إسكان اللاجئين في هذه الأحياء ضربة قوية لمشروع اندماجهم في المجتمع الفرنسي، إذ لا يحتكّون بمن يمكنهم تعلم الفرنسية منهم، وهو ما ينعكس على فرص إيجادهم عملاً، كما تشرح سيليا يوسفي، المستشارة الفرنسية من أصل جزائري في جمعية "AAJT" (منظمة مساعدة الشباب العاملين) التي تُعنى بمساعدة اللاجئين على الاندماج بسوق العمل، وتقول يوسفي: "أعمل مساعدة اقتصادية واجتماعية في الجمعية، حيث نعمل على تأمين المنازل وفرص العمل للاجئين، ولكنه أمر في غاية الصعوبة، في ظل سكنهم في الأحياء الشمالية الحساسة، ما يصّعب عملية اندماجهم".

ولفتت إلى أن مشاكل أخرى تواجه عملية اندماج اللاجئين، ومنها تعلم اللغة الفرنسية، فمكتب "OFII" (المكتب الفرنسي لاندماج المهاجرين) يمنحهم 200 ساعة فقط لتعلم اللغة، وهي غير كافية لإتمام المستوى الأول في اللغة، وتضيف "المعضلة الأخرى هي العنف الذي يتعرض له اللاجئون، فقبل أيام عدة اعتُدي على لاجئ من السودان بطعنه في العنق والسبب فقط أنه رفض إعطاء سيجارة لأحد "البلطجية"، الاعتداء أدى إلى إصابة قريبة من الشريان وقد كان الشاب قريباً جداً من الموت!!".

ومن بين 17 حالة للاجئين تعرضوا للعنف قدّم 3 فقط من بينهم شكاوى للشرطة، ولكن بدون فائدة تذكر، كما تقول سيليا التي لفتت إلى غياب الثقة بين الدولة واللاجئين، قائلة: "الكثير منهم قدموا شكاوى لقسم الشرطة، بسبب اعتداءات تعرضوا لها ولم يتم الرد عليهم أو إنصافهم، وهذا سبب أزمة عدم ثقة تساهم هي الأخرى في عدم اندماجهم. الدولة مقصرة جداً في هذا الإطار".

مشكلة السكن الخاص

يعدّ إيجاد اللاجئين سكناً خاصاً في خارج إطار إسكان الدولة الاجتماعي أمراً في غاية الصعوبة، بسبب الشروط التي يضعها مالكو المنازل وأصحاب المكاتب العقارية، وأهمها طلب عقد عمل براتب ثلاثة أضعاف قيمة إيجار المنزل، وأن يكون المستأجر من دافعي الضرائب لمدة عامين على الأقل، فضلاً عن طلب وجود ضامن آخر ليستطيع اللاجئ استئجار منزل، بحسب ما أفادت به شركة century 21 للعقارات التي توجه إليها معدّ التحقيق للسؤال حول شروط استئجار شقة في مرسيليا.

هذه الشروط تدفع بعض اللاجئين إلى حلّ السكن عبر استئجار المنازل بدون عقد، أحدهم كان السوري أحمد حجازي الذي وصل إلى مرسيليا مع زوجته وطفله قبل نحو سنة ونصف السنة، والذي قال لـ"العربي الجديد": "حاولت استئجار سكن خاص عن طريق المكاتب العقارية، ولكن هذا شبه مستحيل بسبب الشروط التعجيزية التي يفرضها أصحاب المنازل، لذلك اضطررت إلى استئجار منزل "بالأسود" من مؤجر آخر جزائري، أي بدون عقد من مؤجر وبسعر أغلى، (...) أعلم أن هذا مخالف للقانون وقد يسبب لي كثيراً من المتاعب، لكن ليس لدي حل آخر".

ويعلل سام جيورديانو، الناشط الحقوقي الفرنسي الذي سبق له أن عاش في دمشق لمدة 6 أعوام، وضع اللاجئين في هذه الأحياء بأزمة السكن الموجودة في فرنسا، قائلاً: "الدولة ليست سعيدة بوضع هؤلاء اللاجئين داخل هذا الجحيم، ولكن هناك أزمة سكن اجتماعي تدفع الدولة للقيام بهذا".

مشاكل إدارية

يؤكد ممثل المكتب العام للمساواة بين الأقاليم التابع لوزارة التخطيط monsieur Frédrek ضرورة العمل على إيجاد طرق لاستقبال واندماج اللاجئين وحل مشكلة إسكانهم في الأحياء الحساسة، ويضيف مقراً بوضعهم: "نعلم أنه يجب أن نوفّر سكناً لجميع اللاجئين وأن نوزعهم بشكل متساوٍ على جميع الأقاليم وندمجهم في المجتمع وسوق العمل، ولكن ما هي الاستراتيجية؟! نحن نبحث عن استراتيجية لذلك"، وفق ما ذكره خلال اجتماع للحوار عن أزمة اللجوء والهجرة عُقد بمرسيليا في شهر إبريل/نيسان الماضي بين جهات فاعلة عدة تُعنى بالأمر، دعا فيه "CGDT" (المكتب العام للمساواة) جميع الأطراف المحلية والإقليمية المعنية إلى إيجاد حل سريع لمشكلة تأمين سكن للاجئين في أحياء مناسبة وآمنة تساعدهم على الاندماج بشكل أسرع في المجتمع.

وإلى أن يتم وضع هذه الاستراتيجية، تنتظر عائلة الأربعيني محمد ربيع الذي وصل مع أسرته إلى مرسيليا قبل عامين ونصف العام، إذ يعاني طفلاه، محمد البالغ 9 سنوات وعمر البالغ 6 سنوات، من عنف أقرانهم في المدرسة، قائلاً: "ما زلنا ننتظر حلّاً يخرجنا من هذا الجحيم الذي نعيشه".