لبنى وأسعد .. "الحب في المنفى"

لبنى وأسعد .. "الحب في المنفى"

07 ابريل 2014
لبني وأسعد قصة حب سورية
+ الخط -
 

كتب، ماركيز، قصة الحب في زمن الكوليرا، فخلَد قصة ربما تكون حقيقية أو خيالية . ويكتب، أسعد، ولبنى، قصة أسطورية للحب في المنفى .. قصة بلا خيال، ولكنها فوق كل خيال، حيث يتحدى الحب الطائفية والحرب والمنفى في لحظة واحدة.

بينما كنت أنتظر قدوم "لبنى زاعور" وزوجها "أسعد حنا" في ساحة "تقسيم" في مدينة إسطنبول، التي اتفقنا على اللقاء فيها، لمحت وأنا أجلس الى جانب تمثال، أتاتورك، وجهين لشابين من بلادي يخترقان أفواج الوجوه التركية في الساحة. وقفت ألوّح لهما كي يميزاني بين الجموع، وكنت رسمت لهما صورة مثالية.. فهما في مخيلتي بطلا قصة حب مستحيلة تكللت بالزواج، وهاهما يقضيان شهر العسل في إسطنبول. ولكن بعد أن جلسنا في أحد المقاهي، بدأت تلك الصورة المثالية تتآكل كلَما غصنا في الحديث، لأكتشف أن المعوقات قدرٌ كُتب على طارقي أبواب الحب والحرية السورية.

البحث عن عمل
قال لي أسعد، إنهما يقيمان في إسطنبول منذ شهرين تقريباً، وإن أول الصعوبات التي واجهتهما تمثلت في تأمين أوراق الزواج، ومن بعدها تأمين منزل، واليوم يسجل العروسان اسميهما على قائمة العاطلين الباحثين عن العمل.

هكذا راحت السكرة وجاءت الفكرة حيث تشرح لبنى: لا نستطيع العمل مع الأتراك بسبب حاجز اللغة، وحين طرقنا باب المؤسسات السورية فوجئنا، أن التوظيف فيها يعتمد على "الشللية". ويكمل أسعد: حاولنا إيجاد عمل في مكتب الحكومة المؤقتة، والمجلس الوطني السوري؛ فكان رد الأخير أنه ليس لديه ميزانيات لتسديد إيجار المكتب الذي يعمل فيه أعضاؤه ، فسكتنا على بقية حلم .. إلا أن معرفتنا بأن العاملين في مكتب المجلس الوطني في إسطنبول جميعهم أقارب أزعجتنا.

تجارة المنتفعين

افترض العروسان حسن النية في التجمعات السورية، التي يُفترض أن تؤمّن معونات وفرص عمل، ودورات تعليمية للسوريين في المنفى، ولكن لبن، تكشف الواقع الذي يبتعد عن الفرضية بكثير: قبل أن يأخذوا جوازات سفرنا وعدونا بفرص عمل، وورشات تدريية تؤهلنا للعمل ومعونات متنوعة، إلا أنهم بعد أن أدخلوا جوازات سفرنا إلى سجلاتهم، أخبرونا أن المساعدة تقتصر على"الطبابة" أوالمهن الطبية، ومن المعروف أن الطبابة مجانية في إسطنبول. ويوضح أسعد أن تمويل التجمعات السورية يتناسب طرداً مع عدد جوازات السفر المسجلة لديها، إلا أن المعونات غالباً لا تصل إلى أصحاب الجوازات، بل توزع بين العاملين في التجمع" وتبقى الجوازات وأصحابها في صقيع الانتظار.

ولا يجد العروسان مكاناً آخر للإقامة أفضل من إسطنبول، نظرا الى صعوبة الانتقال إلى مدينة أخرى بعد أن تمَكنا بمساعدات أصدقاء من استئجار منزل، كما أنهما لا يستطيعان العودة إلى وطن لا يعترف بقصة حبهما، فزواجهما غير معترف به في الدستور السوري. لبنى، تحكي كم كانت تتمنى أن تلتقي أهل، أسعد، المقيمين في حمص، لكن أصدقاءها حذروها من خطورة العودة إلى سوريا للظروف الأمنية، وهكذا فعليها أن تبقى في المنفى إلى حين .. فربما يأتي أوان الحب في الوطن ذات يوم.

"الأتراك إنسانيون وغير طائفيين، ولا يتدخلون في الشؤون الخاصة، على عكس ما لمسناه في لبنان" كما يقول، أسعد، "كما أن فرص العمل في تركيا كثيرة، إذا ما قارناها بلبنان أو الأردن". والعمل في تركيا لا يحتاج إلى وسائط، بل إلى لغة يحاول العروسان تلمس الطريق الى حروفها حتى لا تضيق عليهما المنافي.

لولا الثورة

وعلى الرغم من هذه السوداوية، يفتح العروسان نافذة أمل على حياتهما، معتمدين على وجودهما مع بعضهما في منزل واحد، يقضيان فيه ساعات الفرح والحزن، وتبتسم، لبنى، وهي تقول: منذ أن أعلنّا زواجنا نتلقى يومياً العديد من الاتصالات من سوريين مقيمين في تركيا، يسألوننا عن كيفية إتمام زواجهما على الطريقة المدنية. وعندما سألتُ لبنى: هل كنت تمتلكين الجرأة لإتمام مثل هذا الزواج المدني لو لم تقم الثورة؟ قالت، وهي تداري خجلها: ربما لا، ولا أعرف إذا كنت وقعت في غرام أسعد، قبل الثورة، هل كنت سأتزوجه أم لا؟ لا أظن أنني كنت قادرة على مواجهة المجتمع حينها. ولكن أسعد، يجيب عن سؤالي بطريقة مختلفة: العذاب الذي تكبَدناه في الغربة أكبر بكثير من الصعوبات، التي كانت ستواجهنا لو قررنا الزواج في سوريا.

ظروفهما، أرشدتهما إلى فكرة تنظيم حملة تعيد تعريف مصطلحي الأقليات والأكثرية، إذ يخطط العروسان إلى إعلان حملة توعوية تفاعلية، توضح أن الأكثرية في الشعب السوري هم المشردون، والنازحون العاطلون عن العمل، وأن الأقلية هم المستقرون، المتعلمون، والأغنياء. ويبيّن أسعد أن مصطلحي الأقلية والأكثرية لا ينطبقان على مبدأ الطائفة والدين، بل على مبدأ الحالة الاجتماعية، ويعلق: هذا ما سنحاول نشره، علّنا نسهم في إصلاح الشرخ الطائفي الذي صار المجتمع السوري يعاني منه. وفي الختام يتشارك العروسان الأمنية ذاتها، التي يحلم بها أغلب السوريين: نتمنى لو نرجع إلى وطننا، وأن تكون سوريا حرة مدنية ووطنا للحب .

كانت لبنى، الفتاة الدرزية القادمة من جبل العرب، تزوجت مؤخراً من، أسعد حنا، المسيحي الحمصي زواجاً مدنياً في ظل اختلاف دياناتيهما، بعد رحلة شاقة خاضتها منذ اعتقلتها قوات النظام السوري، هي وأربع من صديقاتها على خلفية تظاهرة "عرائس الحرية" رفعن فيها شعارات تطالب النظام السوري بوقف إراقة الدماء، ثم إطلاق سراحها وخروجهما إلى لبنان ثم تركيا التي تزوجا في إحدى محاكمها.


لقراءة قصتهما:
زواج مدني ينتصر للحب على الحرب في سوريا

دلالات