لباس السوريّين.. الحرب طاولته وخلّفت فيه أثرها

بشكل أو بآخر، كان لظروف الحرب التي يعيشها السوريون في السنوات الأخيرة، أثرها على أزيائهم وحتى مظهرهم. وفي حين وصف بعضهم هذه التغييرات بالجذرية. قال آخرون، إن النمط الجديد بات "أكثر ملاءمة للزمان والمكان".
ويأتي التغيير أكثر وضوحاً على الشباب، وبدوافع تراعي الاعتبارات السياسية والدينية المستجدة وتَغيّر مكان السكن، وما يرافقه من تراجع في مستوى الحريات أو ارتفاعه، بالإضافة إلى التأثر بتزايد مستوى الخطر والفقر. في ما يأتي، تحاول "العربي الجديد" رصد أبرز التغييرات التي طرأت على أنماط لباس السوريين، وسؤالهم عن دلالاتها ودوافعها.

إهمال شبابيّ

يجمع كثيرون في داخل سورية على أنهم باتوا أقل اهتماماً بمظهرهم الخارجي. ويبرر أحمد (22 عاماً) من حلب الأمر بـ "عدم توفر المياه والكهرباء بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الألبسة". أما خالد (27 عاماً) من ريف حلب، فيعيده إلى الحالة النفسية السيئة التي يعيشها كمعظم سكان القرية، "كثرة المآسي المحيطة بنا، تجعلنا ننسى الاهتمام بمظهرنا". يضيف: "الحقيقة أنني ككل الشباب، كنت أهتم بشكلي أكثر، حين كنت التقي بشابات في الجامعة. أما هنا، فنادراً ما أصادف فتاة في الشارع. لذا ما من داع لذلك".
بالنسبة إلى مهند (28 عاماً) من حمص، فإن "السبب نفسي. كنت أحلق لحيتي وشعري أسبوعياً، أما اليوم فلا أفعل إلا شهرياً. هموم الحياة والحصار تشغلني عن التفكير في مظهري". يضيف: "قبل الحصار كنت أملك أقله خمس علب من مستحضرات تصفيف الشعر، واليوم أصفف شعري بالماء فقط". ويستدرك: "بقليل من الماء".

النساء دليل

حجاب المرأة ولباسها باتا من الأدلة الأساسية على هوية الجهة العسكرية المسيطرة على المناطق السورية، أكثر مما يعكسان هوية المرأة بحدّ ذاتها. كل واحد من الفصائل العسكرية يفرض رؤيته الخاصة للباس على نساء المدينة أو القرية، التي يسيطر عليها. وتشير حلا (30 عاماً)، وهي ناشطة مدنيّة في ريف إدلب، إلى أنّ "هذه الظاهرة باتت واضحة جداً، أخيراً. للأسف، أيّ من النساء أو الفتيات هنا لا يفكّرن في لباسهن. جميعهن مجبرات على ارتداء النمط الذي يناسب الفصيل المسيطر، تجنباً للمضايقات وربما العقاب".

وتوضح أن "تنظيم داعش، مثلاً، يفرض تغطية كل أجزاء جسم المرأة بلا استثناء، فيما تفرض جبهة النصرة العباءة السوداء والحجاب والخمار في بعض المناطق. وهذا اللباس الأسود ذاته قد يعرّض المرأة التي ترتديه للاعتقال من قوات النظام". تضيف: "لم أكن محجبة قبل أربع سنوات، لكنني اليوم أضع الحجاب حتى أتمكن من العيش والعمل في مناطق سيطرة الفصائل الإسلامية. وفيما تقبّلت نساء كثيرات التغيير ببساطة، ثمّة من تعرّضن للمضايقات بسبب تفاصيل بسيطة في أنماط اللباس. كذلك، كثيرات هنّ الفتيات اللواتي يضعن الحجاب منذ الطفولة المبكرة".

أما هالة (24 عاماً)، فقد وجدت في الانتقال للعيش في تركيا فرصة لعدم الالتزام بالحجاب، والسبب "توفّر هامش أكبر للحريات الشخصية. يمكن للمرأة أن تقرر بنفسها ماذا ترتدي". تضيف: "أكثر ما يعجبني هنا، هو أن المحجبات لا يتعرّضن لنظرات سلبية، مثلما يحدث في أوروبا، وأن غير المحجبات لا يحاسَبن على الخروج عن الأعراف مثلما يجري في سورية في الفترة الأخيرة".

لحى وشعر طويل

إلى ذلك، تُعدّ اللحية الطويلة أحد أبرز المظاهر الجديدة بالنسبة إلى عدد كبير من السوريين، مدنيين ومسلحين على حد سواء. طاهر (20 عاماً) من حمص، يقول إن "لحيتي تدل على هويتي الإسلامية. النظام كان يمنع الشبان من إطلاق اللحى في المدارس والجامعات وغيرها من المؤسسات، وأصحاب اللحى الطويلة كانوا معرضين للمساءلة الأمنية على الدوام. أحمد الله أننا تخلصنا من هذا النظام".
أما عامر (28 عاماً) الذي يعيش، اليوم، في تركيا، فيقول، إنه أطلق لحيته لأنه يحب شكله هكذا، "وهو ما لم يكن مقبولاً في سورية سابقاً". ويشير إلى أن سرّ انتشار اللحى الطويلة هو أنها "تحمل دلالات مختلفة. كثيرة هي التيارات الثورية في العالم التي اتخذت من اللحية الطويلة نمطاً خاصاً بها. الشيوعيون واليساريون الراديكاليون والإسلاميون، كلهم أطلقوا لحاهم. إلى ذلك، حتى الشبّيحة في سورية يتميّزون بها".

الشعر الطويل أقلّ انتشاراً من اللحى، إلا أنه يعكس، أيضاً، توجهات فكرية مختلفة. ويخبر حسام (25 عاماً) من ريف اللاذقية، عن انتشار الشعر الطويل بين مقاتلي الفصائل المعارضة. ويوضح هذا الصحافي أنهم "يتشبهون في ذلك برسول الله، إذ كان يطيل شعره خلال المعارك". ويشير إلى "أن اللباس الباكستاني انتشر، أيضاً، بين مقاتلي فصائل المعارضة"، موضحاً أنه "ليس جديداً كلياً، إذ كان بعض المتدينين يرتدونه. أما اليوم فقد ازداد انتشاره نتيجة الاحتكاك بالمقاتلين الأجانب".
بالنسبة إلى حيان (23 عاماً) الذي لجأ إلى لبنان، الشعر الطويل ليس أكثر من "موضة يمكن أن أتخلى عنها في أي لحظة". ويقول "مظهري بات أكثر حداثة وخارجاً عن المألوف. من الجيّد التمرّد على الأنماط التقليدية بين حين وآخر".

وشوم

صحيح أن الوشوم رائجة بين الشباب في الدول الغربية، إلا أنها جديدة بالنسبة إلى عدد كبير من السوريين. وأشكال الوشوم هنا تحمل معان ودلالات سياسية أو عقائدية. أحمد الحسين (30 عاماً) من حلب عمل في رسم الوشوم أشهراً عدة في أحد صالونات الحلاقة الرجالية في حلب. يخبر أن "معظم الزبائن كانوا من مقاتلي النظام، سواء من الشبّيحة أو من الجيش النظامي. كانوا يوشمون صوراً للرئيس السوري، مثلاً، مصحوبة بعبارات الولاء من قبيل: نحن رجال الأسد ونفديك يا بشار". ويلفت إلى أنه توقف عن عمل ذاك بعد فترة، "لأسباب دينية. الوشم محرّم في الإسلام".
أما سمر (31عاماً) التي تعيش، اليوم، في تركيا، فتجد أن الوشوم موضة جميلة. تقول: "وشمت شكل حمامة لأنها تدل على السلام الذي انتظره لوطني. بعكس تركيا، لم يكن الوشم مقبولاً في سورية، وكانت النساء يفعلن ذلك في السر".

اقرأ أيضاً: متلازمة "داعش" والسواد في شوارع دمشق