لا حل في سورية!

لا حل في سورية!

25 فبراير 2016
لا يمكننا تحليل واقع اليوم بنفس تحليلات الأمس (Getty)
+ الخط -

"جنيف" واحد واثنين وعشرة، اتفاق وقف إطلاق نار شامل أو جزئي، مبادرات إقليمية أو إسلامية، تدخلات عسكرية أو سياسية: لا حل في سورية، كل السيناريوهات المحتملة سيئة بلا استثناء، رغم انتشار بعض التحليلات المتفائلة لكننا لو دققنا فيها لوجدناها أقرب لسرد الرغبات والأمنيات منها للتحليل المتزن.


لا يمكن الخروج من الكارثة السورية اليوم بالمفاوضات والمسايسة، مع من سيحصل التفاوض؟ مع نظام مجرم لا ثقة فيه ولا ثقة في التزامه بأي عهد أو اتفاق أو وقف إطلاق نار؟ وقد كان هذا هو الوضع منذ اندلاع الثورة بل من قبل الثورة، فلم يصدق المعارضون وعود الإصلاح التي أطلقتها الطغمة الحاكمة على مدى سنوات قبل الثورة، ولم يصدق الثوار وعود الإصلاح حين عادت للواجهة في بداية المظاهرات السلمية التي خرجت في 2011 لتتحدى عقوداً من الخوف.

فما بالك بالوضع الآن وقد صار بين الشعب والنظام ألف ثأر وثأر، وانمحت أي فرصة للثقة المتبادلة، ما بالك بالوضع اليوم والأمر لم يعد بيد النظام أصلاً بعد أن تدفق للأراضي السورية مليشيات وجنود وسلاح ومال من لبنان والعراق وإيران وروسيا وغيرها لدعم النظام.

بقاء نظام آل الأسد مصيبة وكذلك انهياره، سورية فيها مسلحون موالون للنظام ومليشيات طهران وقوات روسية، فسقوط الأسد لا يعني سقوط حلفائه الذين من مصلحتهم ألا تستقر الأمور من بعده، فطهران وعصاباتها المسلحة بالذات لن يتركوا سورية تستقر، وهم قادرون على زعزعة استقرارها فالطريق مفتوحة لهم من لبنان إلى سورية وكذلك من إيران وأفغانستان عبر العراق.

الوضع معقد كذلك في الجهة المقابلة، فإذا سقط نظام الأسد فمن شبه المؤكد أن تشتعل معارك بين الثوار وبعضهم بعضاً وكذلك بينهم وبين الفصائل الكردية المسلحة من ناحية وداعش من ناحية أخرى، فالثوار لا تجمعهم رؤية واحدة لمرحلة ما بعد السقوط، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أن تنظيم القاعدة يعمل معهم، وداعش والفصائل الكردية ستسرع جهودها لفرض الأمر الواقع وتغييره إذا سقط النظام، وبالنسبة للحالة الكردية فهذا سيحصل بدعم دول خارجية أيضاً.

وكما أن الفصائل المسلحة المختلفة غير موحدة فإن داعميها كذلك في الخارج لهم توجهات متنوعة: الخليج الحالي بتنوع توجهاته وتركيا وأميركا وإقليم كردستان العراق.

وهذا ليس كل ما في الأمر من تعقيد، فمقاتلو المعارضة السوريون والأجانب شاع في أوساط الكثير منهم أيضاً ميل واضح للتطرف والطائفية والإرهاب وليس بمستبعد أن يستفحل هذا مع سقوط النظام في شكل أعمال انتقامية كما في شكل فرض واقع جديد وهوية جديدة لسورية، أي مستقبل ينتظر سورية إذا وجدنا أن خلاصة هذه الحرب المريرة أننا استبدلنا استبداداً بآخر وطائفية بأختها؟ 

غياب الحل في سورية يعني أن الحرب ستستمر والكارثة الإنسانية ستتعمق وأزمة اللاجئين ستزداد والتشابك الإقليمي والدولي سيتعقد وفرص محاصرة الطائفية والتطرف لدى بعض فصائل المعارضة تنكمش، لا يوجد حل فوري ولا توجد لحظة سحرية تشفى فيها سورية، هناك صراع طويل ومرير ومؤلم ينتظر سورية والمنطقة، ذو تبعات كبيرة لا نعلم مداها.

كل شيء تغيّر ولا يمكننا أن نحلل واقع سورية اليوم بنفس تحليلات الأمس. إذا أردنا أن نفهم الوضع السوري اليوم فيجب أن نجتهد في محاولة فهمه كما هو، لا كما نتمنى ونشتهي.

(السعودية)

المساهمون