كيف تهزم "أم علي" كوفيد 19؟

كيف تهزم "أم علي" كوفيد 19؟

18 ابريل 2020
حلويات محارم الحمّام (فرانس برس)
+ الخط -
في عصر الكهوف كان أبونا القديم يرسم على جدار الكهف حيواناً مطعوناً بنصله الحجري. قيل في التفسيرات إنه يقتله رمزياً حتى يمتلك القوة لاصطياده حقيقةً. أما فيروس كورونا الذي يتراوح طول قطره بين 120 إلى 150 نانومتر (الملمتر مليون نانو) فإنه ليس طريدة ترى بالعين، ولا وحشاً تختبئ منه وراء صخرة، ولا ثعباناً تبعد عن طريقه.

لا "يفيد" كورونا بني البشر، إلا إذا سلطوه على بعضهم في حرب بيولوجية أكثر قذارة. لا يفكر الإنسان بزراعته وتكثيره كما يفعل مع البكتيريا الكائنات المجهرية التي بعضها يفيد البيئة، وجسم الإنسان، وبعض صناعاته.

إن كورونا، من فرط احتقار البشر له، لا يعدّونه حتى كائناً حياً، بل شيئاً مجهرياً انتهازياً، لا يهاجم، ولا يهرب، إنما ينتظر لحظة سوء حظ، حتى يدخل الحلق ثم الرئة، ويبدأ الخراب. ولأن سوء الحظ أيضاً وباء عالمي، حظي "كوفيد ــ 19" بشهرة طبقت الآفاق، أكثر من أشقائه في عائلة كورونا، مثل "سارس" 2003، و"متلازمة الشرق الأوسط" 2012.

إنه الآن ليس فقط ملكاً متوجاً في شوارع العالم (غرافيتي) التي تحذر منه، وتشهر في وجهه الكمامات والمطهرات وألواح الصابون، بل بات يشغل الطهاة الذين يقدمون الحلويات المستلهمة من الجائحة.

الرسامون يضخمون الفيروس مليارات المرات حتى يكون للتحذير المرسوم على الجدران دور توعوي مباشر.

شوكولاتة عيد الفصح ( فرانس برس)

هذا هو عدوك، فاقتله بالنظافة، ولا تقبّل أحداً. لا تقلد حتى لوحة رينيه ماغريت، وفيها يتبادل رجل وامرأة قبلة وهما يرتديان كيسين. إذا كنت مضطراً أو كنتِ مضطرة، نظّفا الكيسين جيداً بتلك المعقمات الشهيرة التي تقتل 99% من الجراثيم.

أما الحلويات، وهي تضخّم لك الفيروس أيضاً بمليارات أضعاف حجمه، تدعوك لكي تأكله. يتسابق الطهاة على تحضير أشكال متنوعة من الكعك المزين بالشوكولاتة السائلة، والكريما، وحبّات الشوكولاتة المقرمشة، والمكسّرات.

إن التهام حلوى على شكل فيروس، قد يبدو مثل مضغ قطعة لحم من عدو، أو من لحم وحش. قد يبدو مثل تناول مكونات مواد غامضة لدفع الجن، والعفاريت، أو لفك السحر.

كعكة بالكمامة في غزة (الأناضول)

بعض المشتغلين في فك السحر والتخلص من السحر الأسود، والعين الحسودة يقترحون عليك زيت الزيتون والحلتيت، وورق الغار، والمسك، والورد المجفف، وبذور الحرمل، والكثير الكثير. إن تأملاً بسيطاً في حلوى كورونا يجعلها خلطة سكرية مستلهمة من عالم طرد العفاريت والسحر الأسود وأكل لحم العدو.

افتراس سكري
الحلويات ذات طابع احتفالي بتحقيق النصر سواء على جيش أو في الحصول على رخصة سواقة.
أما في حالة كورونا فإن الطهاة يحولونه من كائن مجهري إلى كائن ضخم مبرزين تاجه الشرير. أي أنهم يحولونه إلى مجال افتراس رمزي، حتى يمكنك أن تقتل هذا العدو الموجود بقوة، لكنك لا تراه، وينزل في جوفك بسهولة مع النشويات والسكر، إلى الأمعاء إلى الفضلات، فتطرده كما يطرد السحر الأسود.

لا يشبه هذا، الدور الاحتفالي الذي اشتهرت بلعبه المخبوزات والحلويات. فأسطورة الكرواسان تقول إن الاحتفال بانكسار الجيوش العثمانية على أبواب فيينا، وفشلهم في احتلالها، دفعت خبازاً ليصنع الكرواسان على شكل هلال، وهو رمز إمبراطورية العثمانيين المسلمين.

أم علي
وهذا ما فعلته أسطورة حلويات "أم علي" في مصر. إنها احتفال أم علي زوجة المعز أيبك حاكم مصر في أواسط القرن الثالث عشر بمقتل ضرّتها شجرة الدر (أو شجر الدر)، فكان طبق الحلوى المكوّن من الخبز والحليب والسكر والمكسّرات.

صحيح أن الناس لا يأكلون "أم علي" باسمهم، كما يمكن للكرواسان أن يؤكل باسم قوميات وأديان، لكن ما يجمع الأسطورتين هو احتفال النشويات والسكر بهزيمة العدوّ، سواء أكان إمبراطورية، أو أم خليل (شجرة الدر).

هل تهزم "أم علي" كوفيد 19 فنحتفل بالحلويات؟
لا يزال كل واحد منا يفكر كملسوع: متى نصل إلى ما يسمى "الذروة"؟ أي أن يحصد الفيروس مئات الآلاف وربما الملايين، ويشبع ويترك الباقين.

محنة الخباز
كيف نتجاوز المحنة؟ "بالعلم والتعاون سنقضي على كورونا"، هذا ما رسمه خباز فلسطيني في قطاع غزة على كعكة. إن القضاء على الفيروس معركة حياة، وهي أيضاً بالنسبة للخباز سبيل رزق، يستخدم كورونا، الاسم السيئ، ويدعوك لالتهامه كما تلتهم شبحاً، أو أسناناً دامية في حلويات الهالوين.

الخباز، هنا، في ورطة، حاله حال الناس العاطلة أو شبه العاطلة عن العمل. من الصعب على خباز عربي أن يخبز كعكة بالكريما على شكل محارم الحمّام. هذا لا يحتمل في ثقافتنا التي تحتفي بالماء للنظافة، لا بالمحارم. سيبدو غير ملائم أن تعمل كعكة المحارم، لكن أن تأكل الفيروس، العدو، فهو تقريباً في كل الثقافات أمر مطروق بنسبة ما.

لا بأس إذن، لدى الخباز الفلسطيني أن يلبس كعكته كمامة، وخصوصاً الأشهر منها باللون الأزرق الفاتح.

أما زميله الخباز الألماني في مدينة دورتموند، فيدرك أن محارم الحمّام مقدسة قدسية الماء عندنا، وهي سلعة عزيزة، زادت نسبة بيعها في بلاده 700%، مقابل كساد محله، مثلما تعاني كل أشكال المطاعم.

تشكيل آخر من الكمامات... نسخة ألمانية ( فرانس برس)

ما الحل إذن؟ حلويات بيضاء على شكل محارم الحمّام، أو ورق التواليت أو ورق المراحيض، حسب الزاوية النفسية اللغوية التي تقرر فيها التهام الحلوى.

ناضل الخباز الألماني أكثر من مواطنه في المدينة نفسها، صاحب محل البيتزا الذي وجد حظه بين يديه، إذ سمى محله في 2013 باسم كورونا، يعني "التاج" بالإيطالية.

ومع الجائحة زاد الطلب، وبات معتاداً على الزبائن خفيفي الظل الذين يطلبون هاتفياً وجبة بيتزا وهم يسعلون.

لا ينافس أي صنف من الأطعمة، الحلويات في الإمكانيات الواسعة لنحت المجسّمات الفيروسية، أو أي عنصر من عناصر الجحيم: محارم حمّام، ووجوه مرتدية كمامات، وأقنعة أشباح.

جحيم تواجهها بالنشويات، والسكر، وتلوّنها بالأصباغ، ثم تلتهمها فتصبح أقل خوفاً لثوان، وأكثر سمنة في الحجر الصحي، أو العزل الصحي، أو التباعد، حسب الزاوية النفسية اللغوية المحشور فيها.

المساهمون