كيف استطاعوا أن يخدعونا؟

كيف استطاعوا أن يخدعونا؟

24 ابريل 2019

(Getty)

+ الخط -
هي زوجةٌ فقيرةٌ بائسة، ولديها أربعة أطفال، وقد تقطّعت بها سبل العيش، وزوجها يعاني البطالة، فنصحتها جاراتها بأن تتوجّه مع الزوج الذي لا يغادر غرفته إلا لماماً، ويتحدّث بالقطارة إلى أحد فروع وزارة الشؤون الاجتماعية، وأن تتفق مع زوجها بأن يقوم بحركاتٍ غريبة أمام المسؤول، عله يرأف بحالهم، ويدرج الزوج تحت قائمة أرباب الأسر المصابين بحالاتٍ نفسيةٍ أو عصبية، والذين لا يستطيعون العمل، وبالتالي تحصل الأسرة على إعانةٍ ماليةٍ كل ثلاثة أشهر. وعلى ذلك، سحبت الزوجة هذا الصنم من فوق فراشه، وتوجهت به إلى مكتب المسؤول، ونظرت إليه نظرة بعينها، بمعنى "عليك أن تبدأ بالتمثيل". وهنا هاج الزوج وثار، وقام بتحطيم أثاث المكتب، ولولا تدخل رجال الأمن، لانهال ضرباً على الزوجة والمسؤول. وحين استطاع رجال الأمن السيطرة على الزوج الهائج، واقتناع المسؤول اقتناعا تاما بأن الزوج يعاني من أمراضٍ نفسيةٍ وعصبية، فقد طلب من الزوجة التوجه بالزوج إلى مركز العلاج النفسي، القريب من بيتها، وتسجيل اسم زوجها، لكي تحصل على المعونة المالية. وبأسرع من البرق، توجهت إلى المركز، وبمجرّد أن أملت على الموظف المسؤول اسم زوجها، حتى أخبرها أن زوجها يعاني من أمراض نفسية وعصبية، ومسجل لديهم مريضا ويتعاطى أدوية مهدئة للأعصاب منذ سنوات طويلة.
ويبدو أن الزوج المريض الذي لم يقم بالتمثيل قد نسي تعاطي جرعة الدواء المهدئ، قبل أن تتوجه به الزوجة على عجل، صوب مكتب المسؤول حسب نصيحة جارتها. وهكذا كانت صدمة الزوجة أكبر من أي مبلغ مالي قد تحصل عليه في حياتها. وهكذا أيضاً أصبحت تحادث نفسها كثيراً، وتوشك أن تصاب بحالة نفسية غريبة اسمها "كيف خدعني؟". وفي الحقيقة، شعرت بأنها كانت ضحية، إلى درجة أن النساء كن يحسدنها على هذا الزوج المسالم الصامت طوال الوقت، والذي يسلم زمام الحياة الزوجية، بكل ما فيها، لها، ويكتفي بالقيام بدور "سوف أخبر بابا".
تشبه قصة هذه الزوجة البائسة ما حدث مع البرازيلية، تاتين سبينزر، وهي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتمتع بجمال أخّاذ، وهي متزوجة من لويس مانفلر، وهو شاب وسيم، يعمل محاضرا في الجامعة، ويحسدهما الجميع على ما يتمتعان به من سعادة وثراء وحب وانسجام، فلم تتوقف الزوجة عن نشر صورها أمام عيون جمهورها العريض، والتي تكشف عن هذه المشاعر التي يتمنّاها كل زوجين، حتى صدم هذا الجمهور بحادثةٍ بدت انتحارا، حيث عثر على جثتها أسفل البناية التي تقطنها مع زوجها. وقد خيّل للجميع أنها ماتت منتحرة، بسقوطها من الطابق الرابع، ولكن كاميرات المراقبة كشفت للشرطة أنها كانت تعيش حياةً تعسةً بائسة مع زوج يضربها ويصفعها طوال الوقت، والمفاجأة الكبرى أنها ماتت مخنوقة، حيث أقدم الزوج على خنقها، ثم ألقى بها من الشرفة.
ويبدو من الواقعتين أن الإنسان يُخدع، ويجب أن لا ينجرّ وراء عواطفه، وألا يصدق كل ما يراه، وألا يتدخل في ما لا يعنيه، وألا يقدم نصائح مجانية للآخرين، كما فعلت الجارة. ويبدو أن الحياة بئر من التجارب، ولن نستطيع أن نفرّق بين حقيقة البشر وتمثيلهم، خصوصا ما يبدو لنا من مظاهر الحب أمام الآخرين، وحيث تشير خبيرة العلاقات الزوجية، نيكي غولدستين، في دراسة حديثة لها، إلى أن الأزواج الذين يظهرون في مشاهد الحب والغرام هم في الحقيقة يعيشون صراعاتٍ داخلية. ويشعر كل طرف بعدم الأمان من الطرف الآخر، ولذلك يحرصون على إظهار مظاهر السعادة، لكي يستمدوا قوة لعلاقاتهم المتهاوية من تعليقات المتابعين. ولذلك، علينا نحن "المتابعين"، أن نُكثر من عبارات المديح، وننثر التعليقات في فضاءات العوالم الافتراضية، كلما تغزّلت زوجةٌ بزوجها، وكلما كشف زوجٌ عن حبه العظيم لزوجته. ولكن علينا أن نتوقع أسوأ العواقب، لكي لا نصرخ ذات يوم: كيف استطاعوا أن يخدعونا؟!
avata
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.