كورونا... جمرة الخوف والألم!

كورونا... جمرة الخوف والألم!

03 مارس 2020
+ الخط -
في محادثة خاصة بيني وبين ابني البالغ الثامنة من عمره ينقل لي مخاوفه من أن يصل كورونا لمدينتنا، وأن يصاب هو، أو نحن بالفيروس ويعتبر أن الجنَّة مكان جميل كوننا سنجتمع هناك مع أخته التي رحلت للعالم الآخر قبل مجيئه لعالمنا.. أكثرنا وفاء لذكراها من الجميع!

ينام ابني الصغير على صدى عبارات الاطمئنان التي أنقشها في مخيلته، اطمئنه أن الفيروس لا يصيب الصغار، وأنه لا يصيب من هم دون الخمسين، اخترع له أسباب النجاة، وأُجَمّل له الحقائق، ويسألني هل ما زال هناك وقت كبير لنبلغ الخمسين أنا ووالده؟ وحين أجيبه عشر سنين ينام مبتسماً وشاكراً لي، ويتركني أواجه هذا العالم البشع بكل مخاوفه ومهازله.

في الشهر الثاني من هذا العام الساحر 2020 بدأنا نعيش مأساة الخوف من فيروس كورونا، وقبل أيام لوحت منظمة الصحة العالمية إلى الخوف من إمكانية تحوّل الفيروس إلى وباء عالمي لا يستثني منه أي مكان على وجه الأرض.. وأصبحت مفردة كورونا رمزاً لهلع جماعي، وقلق وجودي لا يمكن غض النظر عن نفوذه.

صالحني كورونا مع التلفاز فصرت من متابعيه، أشاهد القنوات الإخبارية، والثقافية، وأشاهد هذا الكم الهائل من الأنباء عن انتشار المرض السريع في أرجاء العالم، ويحزنني ما أراه من مشاهد الحجر الصحي، والأرقام الهائلة المتسارعة للمصابين، وإغلاق المدارس، وتعليق الرحلات الجوية، وتوقف الحياة، نعم، كورونا أوقف الحياة وجمدها في معظم مناطق انتشاره، ولا أدري مشاعر من يحجر صحياً، لكنني ادرك معاناته، وأقاسمه حزناً ووجعاً لم أكن أدري أنني قادرة على قدرتي على مقاسمته لهذا الكم الهائل من الموجوعين.

وفي طرف آخر أتوارى عن الآخرين بمشاعر تبدو غريبة ربما، لكنها تغمرني، مثلما تغمر الكثيرين من السوريين الذين أعرفهم، مشاعر اللامبالاة بالفيروس، بل أكثر من ذلك، يقين داخلي أن لا مفر من الحياة إن كانت من نصيبك، ولا مهرب من الموت إن كنت هدفه، فنحن السوريين نجونا من القصف والتفجيرات ومن ويلات الحرب، ونحن السوريين نافسنا الصبر قدرة، وربما هذا الشعور الطريف هو ما يجعلنا الآن أكثر البشر اطمئناناً اتجاه كورونا.

لقد علمتنا الحياة أن الزمن يهبك عمراً كاملاً بحلاوته ومرارته، لكنه رصيدك من القدر، وإن كان فيروس كورونا سيجتاحنا فهو فصل من فصول رواية كنا أبطالها عبر زمن طال أو قصر، لكن القهر كل القهر أن نتخيل رحيلاً دون استئذان، أو مرض، أو رغبة بمغادرة هذه الحياة مهما كانت جاحدة بحقنا.

دلالات

8208D0E6-2CD2-427A-A70D-51834F423856
يسرى وجيه السعيد

حاصلة على دكتوراه في فلسفة العلم من جامعة دمشق. ومدرسة سابقة، في قسم الفلسفة بجامعة حلب.