قصة طبيب تونسي رافق عائدين من الصين بحجرهم الصحي

سمير عبد المؤمن... قصة طبيب تونسي رافق عائدين من الصين بحجرهم الصحي

21 فبراير 2020
كان بعيداً عن عائلته طيلة 14 يوماً (فيسبوك)
+ الخط -
لم يكن الدكتور سمير عبر المؤمن (54 عاماً) من بين العائدين من مدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي فيروس كورونا، لكنه خضع للحجر الصحي لمدة 14 يوماً في مكان تكتمت عليه وزارة الصحة التونسية، والأرجح أنه كان في منطقة عسكرية بعيداً عن الأعين.

وفي 3 فبراير/ شباط الجاري، أجلت طائرة عسكرية 10 تونسيين قدموا من ووهان مروا مباشرة إلى مرحلة الحجر الصحي كان خلالها الدكتور سمير عبد المؤمن مرافقهم الصحي بعد أن اختارته وزارة الصحة لتأمين هذه المهمة في تكتم تام.

ويروي عبد المؤمن طبيب أقسام الطوارئ، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، تجربة 14 يوماً التي كان خلالها مكلفاً بمتابعة الوضع الصحي للعائدين من الصين واقتفاء أثر كورونا.

يقول: "مباشرة بعد أن حطّت الطائرة العسكرية في مطار العوينة بتونس العاصمة قادمة من الجزائر، أخضع التونسيون للفحص الأولي بعد ارتداء الملابس اللازمة للعزل، ثم استقل الجميع حافلة ذات بلور داكن لا يسمح بكشف الطريق التي سلكتها، حرصاً على سرية المكان".

بعد وصول الحافلة إلى الإقامات المخصصة للحجر الصحي، تم توزيع العائدين من ووهان على الغرف والتأكد من حسن ظروف الإقامة، لتنطلق بعدها الإجراءات الطبية اليومية، كما يشير عبد المؤمن، إذ يخضع التونسيون وعددهم عشرة إلى الفحص بمعدل مرتين يومياً، يقوم خلالها الطبيب المباشر بقياس درجات الحرارة وضغط الدم والسكري وإجراء تحاليل أخرى.

يؤكد عبد المؤمن أنّ تجربته في الحجر لم تختلف عن تجارب أخرى عاشها في حياته المهنية تجاوز فيها الواجب الطبي إلى الإنساني، مشيراً إلى أنه سبق وأن كان ضمن الفرق الطبية في مخيمات الإغاثة في الجزائر، إبان الزلزال الذي ضرب مدينة بومرداس، في مايو/أيار 2003.

ويقول إنّ طب الطوارئ "رحلة لا تنتهي من التجارب يختلط فيها الطبي بالإنساني ونحن كأطباء في هذا الاختصاص مكلفون بإنجاح التجربتين معاً، حتى وإن كان ذلك على حساب عائلاتنا وحياتنا الخاصة، لأنّ الواجب المهني قبل كل شيء. وهي عقيدة طب الطوارئ".

ويتابع: "كل تجربة مهنية جديدة وفريدة تزيد في رصيدي الإنساني. مرافقة العائدين من ووهان في حجرهم الصحي علمتني كيف يمكن أن يواجه الإنسان الطبيب الخطر الوبائي بمعنويات مرتفعة وأن يضفي جواً من المرح في محيط تشوبه الريبة والتخوف من أن يكون أحد المحجورين حاملاً لفيروس كورونا".

حكى تفاصيل الأيام التي قضاها هناك (فيسبوك)


ويشدد على أنّ "الانضباط في كل شيء كان مطلوباً خلال مدة الحجر، وكنا نلتزم بروزنامة مضبوطة في الوجبات الغذائية ومواعيد النوم، إذ تجري الفحوصات الدورية اليومية ما بين العاشرة صباحاً ومنتصف النهار، ثم نتناول الغداء في حدود الساعة الواحدة ظهراً، كما تم ضبط مواعيد النوم حرصاً على تعديل الساعة البيولوجية للمعزولين وتجنيبهم الضغط النفسي الذي قد يترتب عن قلة النوم".

ويؤكد عبد المؤمن أنّ "الحجر ليس تجربة سهلة بالنسبة لنا ولكن في مكان آخر من العالم هناك أطباء يجابهون فيروس كورونا صباح مساء، دون كلل أو ملل، بما يمليه عليهم ضميرهم رغم أنهم معرضون للعدوى في أي لحظة".

ويضيف: "أنا أتقاضى مرتباً من ضرائب يدفعها التونسيون لذا يجب أن أقوم بواجبي تجاه الصحة في بلادي وأن أكون أهلاً لهذه المهمة".

قضى 14 يوماً في الحجر الصحي (فيسبوك)


وإلى جانب عمله في الطب، يعتبر عبد المؤمن ناشطاً سياسياً في حزب "التكتل"، مؤكداً أنّ مهمة مراقبة العائدين في حجرهم الصحي، لم تمنعه من متابعة الشأن السياسي ومشاورات تشكيل الحكومة في تونس. ويقول: "بعيداً عن عائلتي في مكان ما، كنت أتابع الشأن السياسي باهتمام، عين على كورونا وأخرى على تشكيل الحكومة، وقد كانت صفحتي على فيسبوك بوابة للإفصاح عن مواقفي من تطورات الوضع السياسي، وهي المواقف التي كنت أناقشها مع عائلتي ورفاقي في العمل أو الحزب".

طبيب الطوارئ العائد من الحجر الصحي، يستعد لمهمة أخرى سيزور خلالها كل المعابر الحدودية البرية والجوية في جنوب تونس، لتفقد مدى جاهزيتها للتصدي لفيروس كورونا العابر للحدود.

المساهمون