قصة سورية قصيرة: كرافتة حمراء لعيد لا يأتي

قصة سورية قصيرة: كرافتة حمراء لعيد لا يأتي

25 سبتمبر 2015
(Getty)
+ الخط -
أجلس هنا وحيداً بعد أن ناموا، ناموا جميعاً. أحصي ما تبقى معي من نقود استدنتها من أخ زوجتي الذي يسكن في هذه المدينة البعيدة عن قريتي. كان يدعوني دائماً لزيارته، لكنها المرة الأولى التي آتي بها إلى بيته فعلاً. لم أكن أحب المدن أبداً ولم أستطع يوماً أن أستوعب كيف يمكن للناس أن يعيشوا فيها، وأن يتعايشوا مع كل هذا الضجيج مع هذا العدد الكبير من الباصات والسيارات والمحلات.
كيف يمكن أن تمر في صباحك في شارع ما ولا ترمي سلام قلبك على كل من تراه فيه، ولا تقطف فاكهة ابتساماتهم التي سترطب حياتك كلها؟ نعم لم أكن أحب المدن، ولم تكن تغريني، كنت أحس أن شجرة واحدة في حديقة البيت المتواضعة تساوي كل مدن العالم. كنت أحس أيضاً أن العيد لا يمكن أن يزور المدن، فكيف يكون العيد والناس تعيش كل العمر متجاورة ولا تعرف بعضها؟ وكيف يستطيع العيد أن يسير هنا في ثيابه الجديدة دون أن يعرفه أحد؟ اليوم أنا في المدينة، أنا وخمسة أفراد آخرين ضيوفاً ثقالاً على أخ زوجتي وعائلته الكبيرة أيضاً. نعيش كلنا في بيت لا تتجاوز مساحته السبعين متراً، بحمام واحد لا يفرغ أبداً، وصالون احتللناه من أصحابه وصار غرفة نومنا جميعاً. أنا في المدينة والعيد يطرق الأبواب المثقوبة والقلوب المثقوبة أيضاً. أنا هنا أحصي ما تبقى معي من نقود، لقد وعدت أحمد ببدلة كاملة وقميص أبيض تحتها وكرافتة حمراء صغيرة، بدلة ستجعله يحس نفسه شاباً، كما قال لي في العيد الماضي. أحمد أول أولادي طيب جداً لم يكن يريد يوماً أن يحتفظ بشيء لنفسه، يحب أخواته ويقدم لهن ألعابه دائماً، أحمد في الصف الرابع وهو متفوق. كل سنة تدعوني المدرسة لتكرمه، وأنا لا أستطيع التوقف عن البكاء، لم أصدق أن ابن الفلاح البسيط الذي هو أنا سيكون متفوقاً هكذا. أحمد أصبح الآن يحس بقيمة العيد والملابس، لذا يجب أن أجلب له ما وعدته به في العيد الماضي، وذلك بعد أن جاء أخو زوجتي لقضاء العيد عندنا، وكان ابنه الذي في صف أحمد يرتدي بدلة كاملة سوداء وقميصاً أبيض تحتها، لكن أكثر ما لفت نظر أحمد كانت الكرافتة الحمراء الصغيرة، وقال إن ابن خاله يبدو بهذه الملابس أكبر منه بكثير، وأن هذه الكرافتة تجعله شابًا.عندها أقسمت له أنني سأذهب للمدينة مع أني لا أحب المدن، خصيصاً كي أجلبها له. إذ لا يوجد مثل هذه البدلة في دكاكين القرية، والتي كنا نأخذ منها ملابس العيد بالتقسيط، ها أنذا في المدينة، البدلة معروضة هناك في واجهة المحل المقابل لأخ زوجتي الصغير، على الواجهة آثار رصاص، لكن البدلة سالمة، النقود التي بقيت معي سأدفعها كلها لصاحب المحل، وسأطلب منه أن أستدين باقي المبلغ، سأقول له إننا نزحنا من قريتنا الصغيرة البعيدة، قريتنا التي حولتها وحوش السماء إلى ركام، سأرجوه وأقول له إني وعدت أحمد، والأطفال لا ذنب لهم، ويجب أن نفي بوعودنا لهم، كي يبقوا واثقين بنا وبالحياة، سيوافق الرجل الطيب، سيهز رأسه، ويقول نعم الأطفال لا ذنب لهم، سأحمل البدلة ضمن كيسها الجلدي الأنيق. سأركب الباص وأعبر الحواجز، سيحاول الجميع منعي من الدخول لأن المكان خطير جدا، والطائرات لم تزل ترمي هدايا العيد على الناس، لكنني سأدخل، سأصل إلى أول البلدة، سأمشي باتجاه البيت لأصل إلى الشجرة التي كانت عند بابه هناك، سأنادي أحمد، سأخرج البدلة من الكيس ومعها الكرافتة الحمراء، سأضعهما معا فوق القبر.

اقرأ أيضاً: أرجوحة العيد

المساهمون