قبلة سعودية على رأس رفسنجاني

قبلة سعودية على رأس رفسنجاني

07 مايو 2014

الصورة من مواقع التواصل الاجتماعي للسفير السعودي مع رفسنجاني

+ الخط -
يطبع سفير السعودية الجديد في إيران، عبد الرحمن بن غرمان الشهري، قبلة على رأس رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، هاشمي رفسنجاني، فتثور عاصفة تعليقات ساخرة ومستهجنة، ويضاف إلى عالم "تويتر" هاشتاغ جديد "#السفير_السعودي_في_إيران"، يمتلئ بالاعتراض على قبلة السفير المباغتة لنشطاء "تويتر"، وليس لرفسنجاني طبعاً،  فالعلاقات السعودية – الرفسنجانية (إن صح التعبير) قديمة وعميقة، بل إن تسريبات ذكرت أن هذه العلاقة أخذت منحىً اجتماعياً، بمصاهرة وزواج بين حفيدة رفسنجاني من ابنته فايزة وشاب من العائلة المالكة السعودية.
كان هاشمي رفسنجاني، على الدوام، مرشحًا كوسيط، له ثقله في تحسين العلاقات بين طهران والرياض؛ وأخيراً وصف هذه العلاقات بأنها في "غاية السوء، بصورة لم تكن عليها من قبل"، لكن رفسنجاني ألقى باللائمة في ذلك على أصدقائه السعوديين، وأرجع سوء العلاقات إلى "دعم المملكة المتشددين في سورية والعراق". في السابق، نجح رفسنجاني في تحسين العلاقات، وأنجز، من خلال مفاوضه الذكي في ذلك الوقت، حسن روحاني، اتفاقاً أمنيا مع السعودية، بعد جلسة تفاوض طويلة استمرت ساعات. وقبل أسبوع، تحدثت الصحافة الإيرانية عن ضوء أخضر، حصل عليه رفسنجاني من مرشد الثورة، ليبدأ مبادرةً لتطبيع العلاقات مع السعودية. لكن الظروف التي تحيط بالعلاقات، اليوم، ليست نفسها التي ضمنت نجاح رفسنجاني في السابق، ما يجعل الحديث عن تقارب إيراني سعودي ضرباً من التفاؤل المفرط.
فمنذ الحرب على أفغانستان، وما تلا ذلك من احتلال العراق، بدأ تنافس بين البلدين يأخذ شكل الحرب الباردة، ولم يكن ما حدث ويحدث اليوم، في أفغانستان والعراق، يصب في مصلحة السعودية، بل إن ما حدث غيّر المعادلات الإقليمية بصورة دراماتيكية لمصلحة إيران؛ وهو ما كان له تداعياته التي نراها اليوم في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين. إن نظرة إلى مخرجات العملية الانتخابية تقول إن إيران، وليس نوري المالكي، ما زالت تمسك بخيوط اللعبة في العراق، وفي أفغانستان أيضاً، يمكن وصف عبد الله عبدالله بأنه رجل أميركا وحليفها القديم الجديد، لكن، من عجائب السياسة أنه، أيضاً، مقرب بشدة من إيران.
وتصلح الحالة العراقية لقراءة الطموحات الإيرانية في الامتداد نحو المتوسط، وهو طموح كشفت عنه تصريحات للقائد السابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري الحالي لخامنئي، الفريق يحيى رحيم صفوي، عندما اعتبر "حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة، على الحدود العراقية غرب الأهواز، بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط"، والمرتان السابقتان اللتان قصدهما هما الإمبراطوريتان الأخمينية والساسانية، واللتان قامتا قبل الإسلام. وتصلح أفغانستان لقراءة التوسع الإيراني في آسيا الوسطى.
 
يميل فريق في إيران إلى إلقاء اللوم على سياسية أحمدي نجاد، في كل واردة وشاردة، ومن ذلك جعل العلاقات بين طهران والرياض أكثر توترًا، لكن المسألة لا تقف عند خصم رفسنجاني اللدود وسياساته، فالسياسات الإيرانية تجاه القضايا الحساسة المتعلقة بالأمن القومي، والعراق وسورية ولبنان في مقدمتها، لا يصوغها رئيس إيراني منفرداً، مهما بلغت حنكته وقوة شخصيته، ولعل مشكلة أحمدي نجاد الأساسية أنه حاول أن يستقل بقراره، خارجاً من عباءة المرشد.
ويمكن القول إن دور الرئيس في إيران، على هذا الصعيد، محدود، ومحكوم بطبيعة بناء النظام الإيراني نفسه، وتعدد مراكز صنع القرار فيه، بل أكاد أجزم أن مرشد الثورة انتهج سياسة، على مدار السنوات العشر الماضية، جعلت تلك الملفات تنتقل إليه، وتدار بصورة أساسية من قبله، بواسطة فريق الخبراء الذي يحيط به، وجلهم من الحرس الثوري، وهو ما اصطلح على تسميته في السياسة الإيرانية "بيت رهبري"، أي بيت المرشد، ويقصد بها الحلقة المشار إليها.
لا يمكن الجزم بغياب نقاط الالتقاء بين السعودية وإيران، لكن العلاقة بينهما محكومة بصورة أساسية بالمعادلة الإقليمية، وهذه أخذت بعداً جديداً مع التقارب الإيراني – الأميركي، والذي لا يصب في مصلحة العربية السعودية بأي شكل، حتى على الصعيد الخليجي، فسريعاً كانت عُمان توثق علاقتها مع طهران، بعد أن لعبت دور الوسيط الناجح، واستضافت محادثات سرية بين إيران والولايات المتحدة. وفيما بدا الحلف السعودي الإماراتي متماسكاً، فيما يتعلق بدعم الانقلاب العسكري في مصر، والموقف المعادي لحركة الإخوان المسلمين، إلا أنه ليس كذلك فيما يتعلق بإيران، فالمصالح التجارية جعلت الدبلوماسية الإماراتية تأخذ منحنى واقعياً، يقرأ بشكل واقعي، التحول الذي لا يمكن إغفاله على صعيد العلاقة الأميركية –الإيرانية. وتبعا لذلك، تعزيز موقع إيران على الخريطة الإقليمية، وفي السياق نفسه، يجري الحديث عن مفاوضات سرية، بشأن موضوع الجزر. فالمنفعة هي التي حكمت شكل العلاقة مع إيران في السابق، وهي التي تحكمها اليوم.
ومعروف أن العقوبات تركت تأثيراً كبيراً على العلاقات الاقتصادية بين إيران ودول عديدة، في مقدمتها الإمارات العربية التي كانت تعد الشريك الاقتصادي الأول لإيران. وتتحدث الإحصاءات الإيرانية عن ثمانية آلاف شركة إيرانية، تمارس نشاطاً تجارياً في الإمارات، وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام 2009 إلى 16%، ووصل إلى سبعة بلايين دولار، لكنه تراجع منذ العام 2011 بفعل تشديد العقوبات.
وخلال المقاطعة، لعبت الإمارات دوراً كبيراً في استقطاب رؤوس الأموال الإيرانية للاستثمار فيها، واستطاعت شركاتها أن تلعب دور الوسيط بين إيران والدول الغربية وأميركا، وكانت العقوبات في صور من صورها فرصة للإمارات، فخلال العشرين عاماً الماضية، استطاعت جذب ما مقداره 300 بليون دولار من رؤوس الأموال الإيرانية التي تشكل، اليوم، ما يمكن أن نطلق عليه "لوبي رجال الإعمال الإيرانيين".
قد تصلح قبلة على رأس رفسنجاني للتعبير عن احترامٍ تكنه الإدارة السعودية لصاحب الباع السياسي الطويل، لكنها، بالتأكيد، لن تعيد التوازن إلى ميزان القوى بين البلدين.
D33FFFA6-99D5-41B4-8A40-51AF778ACB34
فاطمة الصمادي

باحثة مختصة بالشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات، حاصلة على الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها كتب وأبحاث من أبرزها "التيارات السياسية في إيران".