قانون نيوتن الثالث ومنبج

قانون نيوتن الثالث ومنبج

16 اغسطس 2016
+ الخط -
يعتبر علم الفيزياء من العلوم التجريبية الذي يهتم بدراسة سلوك المادة وتفاعلاتها في إطارها الزماني والمكاني. ومن قوانين الفيزياء، قانون نيوتن الثالث في الميكانيكا، "لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار، ومعاكسة في الاتجاه"، ولتطبيق هذا القانون لابد من وجود جسمين على الاقل، أحدهما مصدر قوة الفعل، وآخر مصدر ردة الفعل، وهو قانون قوة، وليس قانون حركة، فهو يحدّد القوة المؤثرة على الجسم، ولا يحدّد حركته.
يمكن تطبيق هذا القانون في مجال السياسة والحياة الاجتماعية أيضا، وليس في الفيزياء وحدها، فبعدما سيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة منبج في 23 يناير/ كانون الثاني 2014، فرض قوانينه وأسلوب حياته على الناس بالحديد والنار، فمنعوا من التدخين، وفرض عليهم اللباس الشرعي الأسود (العباءة والخمار)، ومنعوا الفتيات من التعليم، وفرضوا اللحى والصلاة، ومنعوا أصحاب بعض المهن من العمل، كالحلاقين والمحاميين وأطباء النسائية والهواتف والإنترنت والتلفاز وخروج النساء بدون شخص محرّم، وفرضوا الدورات الشرعية وحلقات التعليم في المساجد، واستغلوا الأطفال، فضموهم في صفوفهم وكلّ مخالف لهم ولسياساتهم مصيره الموت، كما فرضوا ذلك كله تحت المساءلة والعقوبة التي تترواح ما بين حفر الخنادق في الجبهات المشتعلة، والجلد والصلب حتى الموت في الساحات العامة.
اتسمت المدينة بالسواد والكآبة، وهجرها قسم كبير من سكانها إلى تركيا وأوروبا، وإلى مناطق سيطرة الجيش الحر، فأصبحت مثل مدينة أشباح، بعد أن كانت تعج بالحياة والناس، وكأنها قلب نابض من شدّة الحركة، فسياسة التنظيم القمعية لا تميّز بين صغير أو كبير، رجلاً كان أو إمراة، ففي بداية يونيو/ حزيران 2016 بدأت حملة عسكرية بقيادة "قوات سوريا الديمقراطية"، وبدعم من طيران التحالف الدولي لـ "تحرير" المدينة، استمرت شهرين ونصف، رافقها حصار خانق على المدينة والمدنيين، وقصف ممنهج ومئات القتلى والجرحى، وأسفرت الحملة عن انسحاب داعش من المدينة باتجاه مدينة جرابلس، مستخدمة المدنيين دروعاً بشرية، لمنع قصفها من طيران التحالف الدولي والقوات المحاصرة.
ما سبق يمثل مصدر قوة الفعل، أما ردّة الفعل فكانت من السكان بعد انسحاب داعش، وتمثلت في حلق اللحى وحرق اللباس الأسود، وتدخين النساء في الشوارع والغناء والرقص، فكثرة الضغط تولّد القهر، والقهر يولّد الانفجار، فحجم ردود فعل الناس الناتجة عن الظلم والاضطهاد والقمع تتناسب مع الضغط الواقع عليها.
فرح الناس وتصرفاتهم هذه ليس حباً بـ "قوات سوريا الديمقراطية"، وإنما بسبب خلاصهم من المحتل الداعشي، ومن الحصار الذي عاشوه شهرين، وقصف طيران التحالف الذي ارتكب مجازر بحق المدنيين بحجة وجود داعش بينهم، فهم يدركون أنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، وأنّ المحتل الجديد لا يختلف عن المحتل القديم، فما أشبه اليوم باﻷمس، لسان حالهم يقول.
28AC53C3-A990-4784-871A-04072AC363B2
28AC53C3-A990-4784-871A-04072AC363B2
هاني أحمد (سورية)
هاني أحمد (سورية)