في مواجهة الاستعمار القانوني الأميركي والإسرائيلي

في مواجهة الاستعمار القانوني الأميركي والإسرائيلي

12 مارس 2018
+ الخط -


تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلية شرعنة إجراءاتها وسياساتها التعسفية وغير القانونية بما يتناسب مع رؤيتها الأمنية والاستعمارية وحالة الاستثناء التي تود خصخصتها للحالة الفلسطينية، ويمثل الكونغرس الأميركي أبرز الأدوات المساندة للاستعمار القانوني كمدخل لتطبيق السياسات الإسرائيلية الاستعمارية.

أجمعت التصريحات الفلسطينية الرسمية بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، على أن الولايات المتحدة الأميركية فقدت أهليتها في رعاية العملية السلمية. ولكن واقع العلاقات الأميركية - الإسرائيلية المترسخة منذ زمن تجعل أميركا تتعدى ذلك إلى كونها أصبحت شريكاً في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

الكونغرس الأميركي: استعمار قانوني في خدمة المشروع الصهيوني

يعود الانحياز الأميركي السافر للمشروع الصهيوني إلى عهد الرئيس وودرو ويلسون في عشرينيات القرن الماضي. وقد ظل الدعم الأميركي مستمراً لإسرائيل ويزداد بشكل متصاعد حتى وصل لذروته في عهد الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب.


اعتمد الكونغرس الأميركي عبر مختلف المراحل تشريعات ونصوصاً وقرارات مؤيدة لإسرائيل من جانب، ومعادية للفلسطينيين شعباً وقيادةً من جانب آخر. وعلى الرغم من وجود إدارات أميركية لم تتوافق تماماً مع الكونغرس، إلا أنها لم تواجهه وعملت ضمن الحدود والاستثناءات التي وضعها الكونغرس. وأبرز مثال على ذلك التمرير "الوداعي" الذي قام به الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في مجلس الأمن الدولي، الذي تبنى فيه المجلس قراراً يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان (قرار رقم 2334 بتاريخ 23/12/2016). إذ سارع الكونغرس بأغلبية أعضائه للتصويت لصالح نص يندد بالقرار.

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التمرير للرئيس أوباما، قد يأتي في سياق المماحكات السياسية، لأنه على الرغم مما بدا على أنه خصومة بين الرئيس أوباما ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن الدعم الأميركي لإسرائيل وصل إلى ذروته في عهد أوباما، حيث وقع الأخير على اتفاقية مساعدات عسكرية لإسرائيل بقيمة 381 مليار دولار في سبتمبر/أيلول عام 2016، وهي الأكبر في التاريخ الأميركي.

لا يقل الكونغرس الأميركي أهمية عن الكنيست الإسرائيلي، إذ يشكل المجلسان حواضن للاستعمار القانوني الذي يهدف إلى تسهيل تطبيق السياسات الإسرائيلية الاستعمارية. ولا يقتصر الأمر على التشريعات الأميركية والإسرائيلية، فالاحتلال الإسرائيلي يستند إلى قوانين الطوارئ التي تعود إلى زمن الانتداب البريطاني، وذلك لفرض حالة الاستثناء على أصحاب البلاد الأصليين من الفلسطينيين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك سياسة هدم المنازل، إذ تدّعي سلطات الاحتلال أن هذه الإجراءات قانونية بموجب النظام 119 من أنظمة الطوارئ البريطانية. إضافة إلى الاعتقال الإداري الذي تشرعنه استناداً إلى قانون الطوارئ الانتدابي لعام 1945م.

إعادة التأطير القانوني للمنظومة الوطنية

فلسطينياً، قبل أن نتجه للإجابة عن سؤال: ما العمل؟ لا بد من الخوض بكل جرأة وموضوعية في تفصيلات الإجابة عن السؤال الذي يقول: ماذا نريد؟ فكيف نحصل على ما نريد قبل أن نعرف ماذا نريد؟

لا يخفى وجود اختلال في المعيار الإجماعي الوطني الفلسطيني، الذي لا تتوقف أسبابه عند الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني فحسب. وبما أن الميثاق الوطني الفلسطيني يفترض به أن يمثل المعيار الإجماعي الوطني كونه صادراً عن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فلا بد من إعادة صياغته، بما يضمن إعادة تأطير قانوني للمنظومة الوطنية في سياق مواجهة الاستعمار القانوني الأميركي والإسرائيلي.

تمثل إعادة كتابة ميثاق وطني فلسطيني جديد ضرورة ملحة، وخصوصاً أن الميثاق الأخير تم تعديله بما يتناسب مع اتفاقية أوسلو عام 1993، التي تم تفريغها من مضامينها على أرض الواقع. من جانب آخر، فإن حضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لاجتماع المجلس الوطني الفلسطيني عام 1998، والذي تمت فيه المصادقة على تعديل الميثاق بما لا يتعارض مع بنود أوسلو والتزاماً بتنفيذ اتفاقية واي ريفر، يقود إلى افتراض استنتاجي أن الميثاق تعرض إلى الإملاءات الأميركية بشكل أو بآخر. وهي خطوة لم تكن إلا في سياق الاستعمار القانوني الأميركي الذي يهدف إلى تسهيل تطبيق المشروع الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية.

بصياغة ميثاق وطني فلسطيني جديد، ينتعش القرار الفلسطيني المستقل، ومن الخطأ أن يبقى ملف المصالحة "الشماعة" التي يُعلق عليها تعذر إصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، لأن الوقت لا يلعب لصالح الفلسطينيين.

كانت منظمة التحرير الفلسطينية وما زالت وستبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وعليه فإن إصلاح المنظمة وتفعيلها هو السبيل لاستعادة الوحدة الوطنية وليس العكس.

برأيي الشخصي لا يمكن تبرير امتناع حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عن تلبية دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى اجتماع المجلس المركزي في يناير/ كانون الثاني من عام 2018، ولكن إصلاح المنظمة وتفعيلها وإعادة كتابة ميثاق وطني جديد سيجعل حركة حماس في موقف لا يمكن تبريره أمام الشعب، إن لم تسِر نحو إنهاء ملف الانقسام. ولن يكون أمام منظمة التحرير الفلسطينية حينها إلّا أن تُكمل مسيرتها الوطنية ومن خلفها الشعب الفلسطيني دون أن تخشى لومة لائم.