في مسألة الجزيرتين

في مسألة الجزيرتين

18 ابريل 2016
+ الخط -
في مسألة تنازل مصر عن ملكية الجزيرتين، تيران وصنافير، إلى المملكة العربية السعودية، انقسم المصريون بين مجتهد يتعب نفسه، ليثبت أن الجزر سعودية، وعادت إلى أهلها، ومن رأى في القضية فرصة للنيل من النظام الحاكم، وإثبات أنه غير وطني، ويبيع الأرض مقابل المال لأنه فاشل، وبهذا هو يخون مصر ويفرّط في كرامتها.
والحقيقة أن النيل من النظام، والرغبة في هدمه، أساس التحرك بنسبة كبيرة، في حين أن أصحاب الرأي الأول يدافعون عن النظام وتثبيت أركانه.
الحالة هي تدافع مستمر منذ الانقلاب، محورها ثورة يناير أو العودة إلى النظام العسكري الذي تعيش فيه فئات آمنه مستفيدة، وأخرى في أقبية السجون، وشعب ينتحر تحت خط الفقر، وفي المجمل، ضاعت الجزيرتان، وانتقلتا للجار السعودي، وانتقل المضيق من التبعية المصرية إلى التبعية الدولية، بما يعني شراكة إسرائيلية.
هذا هو المشهد، لكن الحقيقة أن الخطورة ليست هنا، فإذا كانت الإرادتان المصرية والسعودية اجتمعتا على أن الجزيرتين سعوديتان، فكان يمكن إخراج ذلك بشكل يحترم عقول المصريين، ولا يجرح كرامتهم بالذهاب إلى تحكيم دولي صوري أو الإعلان عن تشكيل محكمين من جامعة الدول العربية، أو لجنة حكماء من الدولتين، تصدر تقريرا ما، ليعرض بعدها السيسي الأمر على الشعب في استفتاء نتيجته 97%‏ بقبول تحكيم أن الجزيرتين سعوديتان، لتتم موافقة البرلمان، وبذلك يكون احترم الدستور، وردّ الأمر للشعب، وذهبت الجزر إلى السعودية، وهذا لن يكلف كثيرا، وتموله السعودية، ولن يستغرق وقتا، فهل غاب ذلك عن عباس كامل ورجالات السيسي؟
الإجابة لا، لكنها ستكون سابقة إذا أراد أن يتنازل عن أي أراض بعد ذلك، فعليه أن يقوم بالإجراءات نفسها، وأن يلتزم مسارا دستوريا في ما هو قادم، هنا تكون المشكلة أن القادم قد يكون أكثر فجاجة.
وهنا رسالة إلى الخارج، تقول إن السيسي يستطيع أن يسير في إجراءات تنازل وتسويات، عجز عنها كل من جاء قبله، لتكون قيمة هذا النظام لإسرائيل والمحيط الدولي في جاهزيته للتفاعل في الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وتنفيذ فكرة التنازل عن أراض مصرية وطناً بديلاً للفلسطينيين، يقبل به من يقبل، ويهجّر قسريا إليه من يهجّر، وينتهي الكابوس الإسرائيلي لتكون دولة إسرائيل خالصة لليهود، دونما طعن أو سكاكين، فيعرفوا قيمة الكنز الموجود الآن بالنسبة لهم، ويتضح أن حسني مبارك كان كنزا صينيا.
هنا، يوجه النظام رسالة للشعب المصري بأن أثبتوا في هذه الوضعيات: قسم يدافع وقسم يهاجم، ولا تنتقلوا إلى مربع عملي تتفقوا فيه على شيء غير قابل للاختلاف، فمن قبل التنازل عن الجزر سيقبل رغما عنه غدا التنازل عن أراضٍ أخرى، حتى المعارضين للأمر فهم يريدون أن يسقطوا السيسي أكثر مما يريدون استعادة الأرض.
الأخطر في المشهد هو تجهيز النفوس، وعمل سيناريو مصغر للتنازل الأكبر عن أراض أكبر وأهم وأخطر على مصر، وعلى فلسطين ليصب كل شيء، في النهاية، في صالح إسرائيل التي أصبحت شريكا في الممر المائي، وستحل مستقبلا مشكلتها الأساسية، عبر ترحيل الفلسطينيين إلى وطن بديل، محققة بذلك يهودية دولتها.
F15576CA-C027-4153-9AED-97B150E3B3AA
F15576CA-C027-4153-9AED-97B150E3B3AA
يحيى عقيل (مصر)
يحيى عقيل (مصر)